في الوقت الذي اتجهت فيه بعض الحكومات، بصدد أزمة كورونا، إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي تدريجيًا، اتجه عدد متزايد من الناس إلى ارتداء الكمامات في الأماكن العامة؛ حيث إنه وُجد أن قرابة ٣٠٠٠ قطرة في العطسة الواحدة تندفع لتمتد إلى ٣.٧ مترًا، بحسب دراسة لجامعة فلوريدا، حيث تلتصق الجزيئات الكبيرة منها على الأسطح، بينما تظل الصغيرة عالقة في الهواء لمدة تقارب ١٦ ساعة محتفظة بالفيروس حيًا لمدة لا تقل عن ٣ ساعات.
ومن هذا المنطلق فَعَلَت الدول حسنًا بإلزام الجميع بارتداء الكمامات لتقليل حجم الإصابة. فبحسب دراسة لجامعة أريزونا أن معدل الوفيات في نيويورك قد يقل بنسبة ١٧-٤٥٪ على مدى شهرين، إذا ارتدى ٨٠٪ من الناس كمامات متوسطة الكفاءة.
ربما بقراءة هذه الأرقام يمتلكك أحد الشعورين: أولهما أهمية الوقاية وارتداء الكمامة، وهذا حسنًا نرجوه حفاظًا عليك. ولكن ما أخشاه هو الشعور الآخر: التجاهل ليس فقط للإحصائيات، بل للوقاية عمومًا؛ مردِّدًا موروثات فكرية قد تحمل جزء من الصواب مثل “الحامي الله”، “سيبها على الله”، “لو ربك رايد مفيش حاجة تمنع المصايب”... الخ، وهذا هو غرض حديثي معك. فكثيرًا ما نتطرف إلى أقصى اليمين أو الشمال، فالبعض أرجع النجاة من العدوى إلى الوقاية فقط، والآخر أرجعها فقط إلى العناية الإلهية.
الفريق الأول اعتمد على المسؤولية الإنسانية فقط، والآخر على المسؤولية الإلهية فقط؛ وكأنّ الاثنين في تضاد أو يعطل أحدهما الآخر. وهذا ليس صحيح؛ فكلاهما يعملان معًا، ليس فقط في الوقاية من الأمراض ولكن في كل قرارات حياتنا.
لاحظ معي في قول الحكيم سليمان «إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ» (مزمور١٢٧: ١)، لم يلغِ دور البنَّائين ولا الحرَّاس في البناء والحراسة، ولكن ليس بالانفصال عن الرب. ومثله قال نحميا «إِنَّ إِلَهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي» (نحميا٢: ٢٠).
فالدور الإلهي والدور الإنساني يعملان معًا لتنفيذ مشيئة الله الناجحة في حياتنا. ولكي أكون أكثر دقة هذا لا ينطبق على أمر واحد، وهو الفداء الذي قدَّمه الله كاملاً دون تدخل الإنسان كما هو مكتوب «الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ لإِظْهَارِ بِرِّهِ» (رومية٣: ٢٥)، فما عليك عزيزي إلا القبول والتصديق أن هذا العمل هو لأجلك.
وهذا ينطبق على معظم قرارات حياتنا اليومية ليس فقط في الوقاية من الأمراض لكن في الكل، علينا تبني هذه الحقيقة المعتدلة أن التمتع بالعناية الإلهية لا يلغي المسؤولية الإنسانية، فربما يستخدم الله ذلك الدور الإنساني لتنفيذ مشيئته أو ربما يريد أن يبهرنا أكثر بأعمال عجائبية تفوق مجهوداتنا، وهو في ذلك له مطلق الحرية أن يفعل.
علينا في مختلف مجالات حياتنا أن نجتهد بمسؤولية متوقّعين بإيمان أن الدور الإلهي في حسابنا ولصالحنا فإن «اَلْفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَوْمِ الْحَرْبِ أَمَّا النُّصْرَةُ فَمِنَ الرَّبِّ» (أمثال٢١: ٣١).
ربما تفكر معي أن في الكثير من المرات قصَّرنا، سواء سهوًا أو عمدًا، ولم نقُم بمسؤوليتنا كما يجب، وفي النهاية كان الدور الإلهي كافيًا، فلا تصعبها علينا فالرب بالنعمة متكفل بكل شيء.
أتفق معك في تفكيرك، ولديَّ الكثير من المواقف أذكر عنايته التي غلبت وفاقت تقصيري. وحقًا أن الرب متكفِّل بكل شيء ولكن هذا ليس عذرًا نستند علية فيقودنا إلى التواكل وعدم القيام بمسؤوليتنا، فالله في أمانته يتغاضى عن جهلنا ويقدّر عجزنا ليظهر نعمته.
ولكن إن كنت مثلي تخاذلت سابقًا في دورك وسمح الرب بإصابة أو خسارة مادية أو حتى تأخر دراسي، فهذا لتعليمنا وإنضاجنا وجعلنا أكثر مسؤولية. فلا داعي للبكاء على تقصيرات الماضي، بل دعنا نبدأ حسنًا في بذل طاقتنا ونجتهد معتمدين على إنجاح الرب لنا، متكلين لا متواكلين، واثقين أن العناية الإلهية تشمل الوقاية البشرية وكلا الدورين متوافقين وليسا متعارضين.
ولكن دعني قبل نهاية حديثي أن أفكر معك عمليًا كيف لا يتعارض الدورين معًا.
أولاً: أن تقنع بمبدإ هام: أن الله لن يعمل بالانفصال عنك لاغيًا إرادتك بل “سيعمل في إرادتك أولاً، ليعمل بإرادتك ثانيًا، لتتميم إرادته أخيرًا”.
وهذا ما فهمته من قول بولس «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (فيلبي٢: ١٣). فمسرة مشيئته الصالحة تتم من خلالنا، ليس بقدراتنا، بل بإقناع الرب لعقولنا. وهنا ألفت انتباهك عزيزي أن كل معرفة قصد الرب أن يضعها أمامك هي ليست صدفة، بل من خلفها يريد أن يستخدمها لإقناعك في أمر ما لتتخذ قرارًا تجاه موضوع ما فتتمم مشيئة الله. فأرجوك امتحن كل معرفة وتمسك بما يتوافق مع كلمة الله، فمن خلال هذه المعرفة سيقنعك الرب كما فعل مع ارميا قديمًا «قَدْ أَقْنَعْتَنِي يَا رَبُّ فَاقْتَنَعْتُ وَأَلْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ» (إرميا٢٠: ٧).
ومن هنا أشجعك على أكثر المصادر أمنًا للمعرفة وهي كلمة الله. الهج فيها اقراءها بنظام وبانتظام من حيث الترتيب والتوقيت، فهي أسهل طريقة للربط بين الدورين الإلهي والإنساني.
ثانيًا: تعلم الاجتهاد في كل شيء حسب طاقتك، اكتسب مهارات جديدة سواء في مجال الكومبيوتر أو في مجال تعلم اللغات لـن «نَفْسُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسْمَنُ» (أمثال١٣: ٤).
ثالثًا: لا تجعل اجتهادك أو دورك الإنساني ينسيك الاتكال على الرب. وأفضل طريقة لإظهار ذلك هي الصلاة وطلب المعونة والإرشاد في اتخاذ القرار أو الحماية من أي أمراض.
عزيزي دُمت معافى بالعناية الإلهية دون التخلي عن الوقاية البشرية، متكلاً على الرب مجتهدًا في حياتك. والرب معك.
مايكل موسى