من أخطر الأعضاء في جسم الإنسان هي العين، فهي مثل النافذة التي منها نطل على الأشياء، ومنها أيضًا يدخل النور إلى كياننا. لذلك قال عنها الرب يسوع: إنها سراج الجسد. لكن تُرى هل لعيوننا تأثير على حياتنا وعلاقتنا بالله بل والأبدية أيضًا؟! دعونا نرجع إلى ما قاله الرب يسوع عن العين في حديث الجبل.
أولاً: ماذا قصد المسيح بقوله: سراج الجسد هو العين؟
العين سراج، بمعنى وسيلة الرؤية وتمييز الأشياء. طبعًا ليست هي المعرفة الروحية، لأن هذه يحصل عليها الإدراك والعقل من خلال كلمه الله. وللأسف كم من أناس ضللتهم أعينهم وقادتهم إلى الضياع فأنطفأ السراج وصار الكل مظلمًا، لذا صلى داود لله قائلاً: «حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْبَاطِلِ. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي» (مزمور١١٩: ٣٧).
ثانيًا: «فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا» (متى٦: ٢٢).
العين البسيطة Single Eye“” وهي العين التي ترى شيئًا واحدًا في وقت واحد. ولذا شبّه الرب عين العروس، المؤمنين، بالحمام لبساطة قلبها ومحبتها للرب وحده قائلاً لها «عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ» (نشيد٤: ١). ولقد أوضح الرب يسوع أكثر من مرة أنه لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، أو يسير في طريقين.
ما أسعد المؤمن الذي لا يرى إلا شيئًا واحدًا، وشخصًا واحدًا فقط وهو المسيح، فما أسعد من نظروا إليه واستناروا. لذا يشجعنا الروح القدس بالقول «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ» (عبرانيين١٢: ٢). نعم يسوع ويسوع وحده.
فجسدك كله يكون نيرًا: أرى هنا معنيين؛ الأول هو البركة التي يعيشها صاحب العين البسيطة، أي مُبارَكًا مبتهجًا، لقد قيل عن موسى كان جلد وجهه يلمع. ومرة أخرى قال داود: «جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ» (مزمور١٦: ٨). والمعنى الثاني هو الحفظ من الشر والضر، لقد قال الحكيم «الذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى» (أمثال٢٧: ١٢). لقد أختبر يوسف هذا، فبعين بسيطة رأى أن الشر يحاصره فهرب وحفظه الرب وعاش بكيانه كله منيرًا.
ثالثًا: «وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا» (متى٦: ٢٣)
١. كما أن العين المريضة لا تتحمل النور بل تُفضل الظلام، هكذا تمامًا صاحب العين الشريرة، يبغض نور المسيح ولا يريد أن يأتي إليه. ووصفهم الوحي بالقول «لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ» (٢بطرس٢: ١٤). لقد قال الرب يسوع: «إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنا٣: ١٩).
والعين المريضة ترى منظرين في وقت واحد (الازدواجية) مما يسبب ارتباك لصاحبها، هكذا العين الشريرة تريد المسيح وبليعال، الاثُم والاعتكاف وهيهات أن يكون ذلك أبدًا.
٢. جسدك كله يكون مظلمًا: العين تنظر الشر، والقلب يشتهي، ويأتي فعل الخطية والتي ينتج عنها أمرين؛ أولاً غياب الأفراح والبركة وثانيًا حصاد مرير من القضاء الإلهي. وكلاهما واضحين في خطية داود، فعينيه رأت المرأة وقلبه اشتهاها ثم زنى معها. اقرأ ما كتبه عن حالة الجفاف والتعب الروحي والنفسي قائلاً: «بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّه تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ الْقَيْظِ» (مزمور٣٢: ٣، ٤). ليس هذا فحسب، بل بدأ سيل من الحصاد المرير لنفسه وبيته ويكفي ما قيل له: «وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ» (٢صموئيل١٢: ١٠).
وختم الرب كلامه، في حديثه عن العين، موبِّخًا ومحذِّرًا لكل من تحولت عينيه إلى الشرور قائلاً: «فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!» (متى٦: ٢٣). أي إن كان السراج الذي أعطاه الله لك قد حولته ظلامًا فماذا ستفعل في ظلام الأبدية وبدون نور الله «إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متى٨: ١٢).
رابعًا: مسؤولية المؤمن الحقيقي تجاه عينيه ونظراته
ما أروع أن نقدِّر قيمة تلك العطية الثمينة التي منحنا الله إياها، ونحسن استخدامها لمجد اسمه وبركة نفوسنا، وحتى لا تتحول العطية إلى نقمة إذ أسأنا استخدامها. لذا دعونا نصلي يوميًا ما طلبه داود قائلاً: «حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْبَاطِلِ. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي» (مزمور١١٩: ٣٧). ولنتعلم بقوة الروح القدس ألا نلتفت بعوننا أو بقلوبنا للشرور التي حولنا، أنه تدريب في غاية الأهمية، كما قال الحكيم سليمان «لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ وَأَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا» (أمثال٤: ٢٥). والأروع أن العين ترى المسيح وجماله وتشبع به «أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ» (مزمور٢٧: ٤).
ويبقي السؤال الهام، هل عيني وعينك بسيطة أم شريرة؟!