رأينا في العدد الأول أن مدينة الملجإ رمزٌ للخلاص الذي أعده الله في الأزل وقدَّمه للإنسان في ملء الزمان بالنعمة. ورأينا في العدد السابق مدينة الملجإ كرمز للرب يسوع المسيح الذي أتى وتمَّم هذا الخلاص. وبلغة الرمز رأيناه أنه هو: الملجإ، والباب، والقتيل، وولي الدم. وفى عددنا هذا سنتكلم عن موضوع ثالث وهو: القاتل. ما عليه.. وما له.
«لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ ضَارِبُ نَفْسٍ سَهْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَتَكُونَ لَكُمْ مَلجإ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هذِهِ اْلمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ وَيَتَكَلَّمُ بِدَعْوَاهُ فِي آذَانِ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، فَيَضُمُّونَهُ إِلَيْهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيُعْطُونَهُ مَكَانًا فَيَسْكُنُ مَعَهُمْ» (يشوع٢٠: ٣–٤).
وهنا سنقف أمام النقاط التالية: القاتل، العمد والسهو، الهروب، الوقوف، الكلام.
١- من هو القاتل؟
من الذي قتل المسيح؟ هل هو بيلاطس الذي أصدر الأمر بقتل الرب يسوع بحسب ما نقرأ «حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ» (متى٢٧: ٢٦)؟ أم اليهود «وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي» (متى٢٧: ١-٢)، وحسب إعلان الروح القدس له على فم بطرس «هذَا (أي الرب يسوع) أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال٢: ٢٣)؟ أم الجميع معًا حسب قول الكتاب «أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ، الَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ» (أعمال٤: ٢٧-٢٨)؟
صديقي القارئ: قد تقول إنك لست من أتباع بيلاطس، ولست يهوديًا، ولم تكن موجودًا أيام الصليب، فلا علاقة لك بقتل المسيح. لكن اسمح لي أن أقول لك: إن السبب الرئيسي لصلب وموت المسيح هو أنا وأنت. هذا ما يقوله الكتاب «الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رومية٤: ٢٥). وأيضًا كقول بولس: «ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية٢: ٢٠). وأقول لك أيضًا: إنك أمام كلمة الله أنت قاتل. فالكتاب يقول «إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية٥: ١٢)، وأنت واحد من الجميع الذين قُتل المسيح بسبب خطاياهم. أيضًا يخبرنا الكتاب أن «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ» (١يوحنا٣: ١٥)، «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ» (١يوحنا٣: ١٥). ولكن: بشارة الإنجيل تعلن لك أن باب مدينة الملجإ ما زال مفتوحًا أمامك على أساس طلبة الرب يسوع على الصليب «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا٢٣: ٣٤). وما عليك إلا الهروب.
٢- تهرب إليه:
الهروب يعني أن الأمر لا يحتمل التأجيل؛ فلا وقت للجلوس والتفكير والبحث عن مخرج أو البحث عن محامٍ، فمن حيل الشيطان أنه يضع أمامك الظروف والمشاغل والحياة وترتيب أمورك الكثيرة أولاً ثم يأتي وقت الإيمان والخلاص والهروب. وبذلك يقودك للتأجيل إلى أن يلحقك ولي الدم ويقتلك.
لاحظ أن الهروب ليس لأي مكان يختاره القاتل بل لواحدة من المدن التي حدَّدها الرب. قال المرنم مرة: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟» (مزمور١٣٩: ٧)، اهرب للرب الذي قال: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ» (متى١١: ٢٨)، فلا خلاص إلا به «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال٤: ١٢). فإن ذهبت لأي مكان غير الصليب، ولأي شخص غير المصلوب لأجلك. سيلحقك الهلاك لا محالة.
يحذرنا الكتاب للهروب من: النار والكبريت، مثلما قال للوط: «اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِك» (تكوين١٩: ١٧). وذلك قبل أن يمطر على سدوم وعمورة نارًا وكبريتًا. وللهروب من الغضب الآتي كما نادى المعمدان لليهود (متى٣). وكتب أيضًا الرسول بولس «لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ» (رومية١: ١٨). وأيضًا للهروب من الشهوات الشبابية كما كتب بولس لتيموثاوس (٢تيموثاوس٢: ٢٢).
٣- ويقف:
«فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هذِهِ الْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ» (يشوع٢٠: ٤). تقف بلا محاولات لنجاة نفسك. تقف كما وقف العشار وقرع على صدره قائلاً: «اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لوقا١٨: ١٣). قال: مرة موسى للشعب المرعوب من فرعون القادم من خلفهم ومن البحر الذي أمامهم «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ» (خروج١٤: ١٣).
بعد الهروب والوقوف لا بد من..
٤- الكلام
«وَيَتَكَلَّمُ بِدَعْوَاهُ فِي آذَانِ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ» (يشوع٢٠: ٤)، لكن ماذا يقول؟ لا ينفعه إن كان ينتمي لسبط مشهور كسبط لاوي أو يهوذا. ولا مجال لإلقاء اللوم على الآخرين - كما فعل آدم - ولا سرد لصلوات وصدقات وأصوام كما فعل الفريسي. بل معترفًا أنه قتل نفسًا. فالمطلوب هو اعتراف العشار «أَنَا الْخَاطِئَ»، والإقرار بالخطايا «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ» (أمثال٢٨: ١٣)، «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (١يوحنا١: ٩).
٥- العمد والسهو:
مدينة الملجإ لا تقبل القاتل عمدًا «إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ» (عدد٣٥: ١٦). ولكن إن أتيت للرب يسوع تائبًا ومعترفًا بخطاياك، فكل خطاياك التي فعلتها متعمدًا وأنت تعلم بها وكثيرًا ما كنت تخطط لفعلها، سيحسبها لك أنها خطايا سهو. وإن رفضت لأنك لا تصدق، أو صدقت لكنك تؤجل. فاعلم أنك ستقف أمامه وستعطي حسابًا عن كل شيء حتى السهو الذي لا تعلمه.
هذا ما عليك صديقي القارئ: تصدق أن المسيح مات بسبب خطاياك أنت، وتهرب حالاً إليه، وتقف ولا تفعل شيء، فقط تتكلم معترفًا وتائبًا. ففي الحال ستنال بركات نرى صورها في مدينة الملجإ. وهذا ما سنراه بمعونة الرب في العدد القادم.