تتواجد بعض المغارات كمزار سياحي، وتعالوا بنا نزور مغارات الكتاب المقدس ففيها مغارات تشجيعية ومغارات تحذيرية. تعالوا بنا نزور هذه المغارات واحدة واحدة ونتعرف على أهم الأحداث المرتبطة بها، يوجد ثماني مغارات في الكتاب على قدر ما تسعفني الذاكرة.
وأريد أن نقسم هذه المغارات إلى مجموعتين مجموعة تشجيعية وعددها خمس ثم المجموعة التحذيرية وعددها ثلاث ولنبدأ بالخمس مغارات التشجيعية ثم نختم بالثلاث مغارات التحذيرية.
أولاً المغارات التشجيعية
١- المغارة الأولى مغارة الأتقياء: وهذه المغارة في حقل المكفيلة في حبرون التي معناها شركة؛ فهل أنت في شركة دائمة مع الله حتى لحظة اللقاء؟ وهذه المغارة اشتراها إبراهيم من بني حث ليدفن سارة (تكوين٢٣)، ودُفن فيها إبراهيم بعدها ثم إسحاق ورفقة ثم يعقوب وليئة ويوسف. فكل الأتقياء دفنوا فيها. ومغارة المكفيلة كانت مفتوحة الطرفين إشارة إلى أن من يدفن فيها يدفن على رجاء القيامة بلغة ١كورنثوس١٥ “يُزرع في هوان ويقام في مجدٍ”.
٢- المغارة الثانية مغارة الأصدقاء: وهذه مغارة عدلام التي اختبأ فيها داود في١صموئيل٢٢ أثناء هروبه من أمام شاول ورجوعه من عند أخيش ملك جت، بعد انكشاف أمره. واجتمع إليه في هذه المغارة الأصدقاء والأحباء، كل متضايق وكل مر النفس وكل من كان عليه دين. فلم يتمالك داود نفسه وأمسك بقيثارته وعزف أحلى الالحان وهو يقول: «اسْتَيْقِظْ يَا مَجْدِي! اسْتَيْقِظِي يَا رَبَابُ وَيَا عُودُ! أَنَا أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا» (مزمور٥٧: ٨)، ورنم قائلاً: «الصِّدِّيقُونَ يَكْتَنِفُونَنِي، لأَنَّكَ تُحْسِنُ إِلَيَّ» (مزمور١٤٢: ٧). عزيزي القارئ إذا كنت في مغارة عدلام فالرب يشددك ويعضدك بالأحباء.
٣- المغارة الثالثة مغارة البؤساء: وهذه المغارة كانت في جبل حوريب، ذهب إليها إيليا وهو محبط وخائر وخائف وبائس ويائس لدرجة أنه طلب الموت لنفسه (١ملوك١٩) بسبب تهديد إيزابل له بالقتل. لكن في هذه المغارة الرب أعطاه تكليفًا بمسح ملوك وأنبياء على إسرائيل وآرام، وبعدها صعد في مركبة نارية إلى السماء دون أن يموت. وهذه رسالة إلى كل بائس قابع في مغارة اليأس والإحباط الله يكلمك بصوت منخفض خفيف يقول لك “ما لك ههنا يا إيليا” وكلمة إيليا معناها إلهي هو الله.
٤- المغارة الرابعة مغارة الأمناء: والأمناء هم الذين يتمسكون بالحق في زمن الضلال، وهؤلاء الأمناء كانوا سبعة الآف لم يُعرف منهم إلا مئة شخص، فخاف عليهم عوبديا مدير قصر أخآب فخبأهم كل خمسين رجل في مغارة وعالهم بخبز وماء (١ملوك١٨). عزيزي القارئ إننا نرى سيول الضلال من حولنا قد كادت تطمو كالمياه، والأمناء المتمسكون بالحق قليلون إذا قيسوا بالمجموع، وفي الغالب غير ظاهرين؛ فلا تنخدع بالعدد الكثير فليس بالضرورة أن تكون الأكثرية على حق حتى لو كان صوتهم عالٍ ويصولون ويجولون في الفضائيات، فتارة ينكرون الوحي وتارة ينكرون الميلاد العذراوي وتارة ينكرون تاريخية سفر التكوين وبعض أحداثه كالخلق والطوفان ويقولون: إنها اساطير.
ولكن مهلاً مغارة الأمناء ملآنة بالأمناء. وهذا ما قاله الرب للأمناء «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي» (رؤيا٣: ٨).
٥- المغارة الخامسة مغارة الرجاء: وهذه نجدها في بيت عنيا حيث دُفن لعازر في مغارة وُضع على بابها حجرًا، فقد قال الرب يسوع لمرثا: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا١١: ٢٥).
وعندما اعترضت على رفع الحجر خوفًا من الرائحة «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: “إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟”» (يوحنا١١: ٤٠). وعند مغارة بيت عنيا تبدد الحزن ولمع الرجاء.
وهنا نداء لكل حزين وبائس “يوجد رجاء في المسيح” حتى لو كان الوقت قد مضى وقطعت الأمل في أحد أفراد أسرتك، ورائحته أنتنت ربما بسبب الإدمان والمخدرات أو بسبب الجنس أو أي شيء آخر؛ لكن اسمع قول الرب وثق في قدرته أنه يعطيه حياة وينادي عليه بالاسم قائلاً “لعازر هلم خارجًا” فلا تفشل لأنه يوجد رجاء.
ثانيًا المغارات التحذيرية:
١- مغارة الأردياء: المغارة التي هرب إليها لوط أثناء حريق سدوم هو وابنتيه (تكوين١٩). ولكن لوط، كما يقول عنه الكتاب كان «مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ» (٢بطرس٢: ٧)، وعلى هذا الأساس اكتسبت ابنتيه هذه العادات الرديئة وقامتا بعمل يتنافى مع الأخلاق والآداب العامة، أن تضطجع البنت مع أبيها وتنجب منه أولادًا بحجة إقامة نسل؛ متبعين مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. عزيزي القارئ مهما كان المبرر فالخطية هي الخطية لا تتهاون معها ولا تبيع الغالي بالرخيص.
٢- مغارة القضاء: وهذه المغارة في قرية مقيدة (يشوع١٠). دخل يشوع أرض كنعان لكي يقوم بتنفيذ أحكام قضائية صادرة ضد شعوب كنعان، فطارد خمسة ملوك وهزمهم فاختبأوا في مغارة مقيدة وهؤلاء الملوك الخمسة هم: «أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ وهُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ، وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ، وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ، وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ» (يشوع١٠: ٣). فاغلق عليهم المغارة حتى فرغ من الحرب وصلبهم على خمس خشبات. هؤلاء زاد مكيال شرهم بعد أن أعطاهم الله فرصة تلو الأخرى لمدة أربعة أجيال. والكتاب يحذر قائلاً: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية٢: ٤-٥).
٣- مغارة الرياء: هذه المغارة غريبة جدًا، فلم تكن كباقي المغارات السابقة في الجبال بل كانت في أقدس مكان، في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه، كانت في هيكل الرب، ولكن للأسف تحول الهيكل إلى مغارة لصوص كما وصفه الرب «وَقَالَ لَهُمْ: مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (متى٢١: ١٣). فقد تاجر رؤساء الكهنة واللاويين بالمقدسات وهذه أخطر وأشر الأمور، المتاجرة بأمور الله لذلك حكم الرب عليهم قائلاً في مناسبة أخرى: «هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا» (متى٢٣: ٣٨).
عزيزي القارئ: في حياة كل منا مغارة مختبئ فيها، وبعد أن استعرضنا هذه المغارات السؤال هو: في أي مغارة أنت؟ هل في مغارة تشجيعية، أم في مغارة تحذيرية؟