في العدد السابق أشرنا إلى القاتل: ما عليه، وما له. وتوقفنا أمام ما عليه أن يفعله لكي يحتمي في مدينة الملجأ من وجه ولي الدم؛ إذ أنه: يهرب بلا تأجيل، ثم يقف عند باب المدينة أمام شيوخها دون عمل أي شيء، ثم يتكلم بدعواه ويعترف أنه قتل نفسًا سهوًا. ورأينا أن القاتل عمدًا ليس له مكان في المدينة بل يُقتل بيد ولي الدم. وفي عددنا هذا سنرى:
القاتل وما له
«
فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هذِهِ الْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ فَيَضُمُّونَهُ إِلَيْهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيُعْطُونَهُ مَكَانًا فَيَسْكُنُ مَعَهُمْ» (يشوع٢٠: ٤). «وَهذَا هُوَ حُكْمُ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا» (تثنية١٩: ٤).
قال موسى مرة للشعب: «وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ» (تثنية٢٨: ٢). وللقاتل هنا الكثير من البركات إذا سمع شريعة مدن الملجأ وعمل بها. نذكر منها: ١- يضمونه إليهم. ٢- يسكن معهم. ٣- لا يسلموه لولي الدم. ٤- بركات نجدها في معاني أسماء المدن الست.
١- يضمونه إليهم: يضمونه لا إلى المكان، بل إليهم، إلى شيوخ المدينة ومن فيها! الآن صار واحدًا منهم ومثلهم! هي الوحدة في صورتها هنا وإتمامها كاملة في ضوء العهد الجديد، عندما قال الرب يسوع عن المؤمنين به للآب: «لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا» (يوحنا١٧: ٢١). الوحدة التي شرحها الرسول بولس قائلاً: «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا» (١كورنثوس١٢: ١٣). هذه لك عزيزي القارئ إن التجأت واحتميت في الرب يسوع، ستصبح عضوًا لا في كنيسة، بل في جسد المسيح.
٢- يسكن معهم: في مدينة الملجأ ليس هو غريبًا، ولا نزيلاً، بل ساكنًا. ومن يسكن له الحق في الامتلاك والتمتع بكل ما في المدينة. وأيضًا نوال اهتمام ورعاية المسؤول عن المدينة. وهنا شاركني قراءة مزمور٩١ الذي يبدأ بكلمة «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ»، ستجد الإنقاذ من كل أنواع المخاطر. والتمتع بالمجد والخلاص. هذا: «لأَنَّكَ قُلْتَ: “أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي”. جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ» (أكثر من ٢٠ بركة تجدها في المزمور). وإن لم تكن ساكنا هنا، أخاف أن تكون ساكنا حيث كرسي الشيطان (رؤيا٢: ١٣)، وهناك لن تجد إلا العبودية.
٣- يحيا: «وهذا هو حكم القاتل الذي يهرب إلى هناك فيحيا»، أي لا يسلموه إلى ولي الدم: الحياة وضمانها. هل لاحظت أن الكتاب لا يقول إن القاتل ينجو أو يهرب من الموت، أو يهرب من ولي الدم. لكن «يحيا!» والميت هو من يحتاج إلى الحياة. هذا يذكرنا بما حدث للشعب القديم في البرية عندما تكلموا على الله وعلى موسى فأرسل الله عليهم الحيات المحرقة، فمات كثيرون منهم، ثم قال الله لموسى: «اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا» (عدد٢١: ٨). من هذا نفهم أن القاتل في موضوعنا، والملدوغ في موقعة الحية النحاسية، مع أنهم أحياء يهربون وينظرون، لكنهم في الحقيقة هم أموات. والكتاب المقدس يقول عنا جميعًا: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا» (أفسس٢: ١).
صديقي: قد تكون مقتنعًا بأنك حي وتمارس حياتك بصورة طبيعية، بما فيها الجانب الديني ولك صورة التقوى (٢تيموثاوس٣: ٥). ولك اسم أنك حي (رؤيا٣: ١). إلا أنك أمام الله ميت وتحتاج إلى الإيمان الحقيقي بالمخلص الرب يسوع المسيح «الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ
» (يوحنا٣: ٣٦).
العبد العماليقي: في قصته نجد نفس الفكرة “الحياة وضمانها” فبعد أن وجده رجال داود - مع أنه من الأعداء - وأعطوه خبزًا وماء ورجعت روحه إليه وأخذوه إلى داود طلب قائلاً: «احْلِفْ لِي بِاللهِ أَنَّكَ لاَ تَقْتُلُنِي وَلاَ تُسَلِّمُنِي لِيَدِ سَيِّدِي» ضمان الحياة وضمان عدم العودة لعبودية سيده القاسي (اقرأ ١صموئيل٣٠: ١١–١٥). وهذا ما وعده به داود وفعله معه.
٤- أسماء ومعاني: في معاني أسماء مدن الملجأ الست نرى جانبًا من بركات وعطايا وهبات الله لكل من يلجأ للرب يسوع ويحتمي في دمه. اذكرها لك عزيزي القارئ دون توسع واتركك لتتأملها بنفسك.
١. قادش: ومعناها مقدس أو مكرس. ٢. شكيم: ومعناها قوة. ٣. حبرون: ومعناها شركة. ٤. باصر: ومعناها حصن. ٥. راموت: ومعناها الرفعة والسمو. ٦. جولان: ومعناها الفرح.
في المسيح: ورد هذا التعبير في العهد الجديد أكثر من ٧٠ مرة. وكل مؤمن - في المسيح - يمتلك ويتمتع بكل البركات التي تقترن بهذه الكلمة.
الرمز والمرموز إليه: هناك فرق كبير بين الإسرائيلي الذي يهرب لمدينة الملجأ والمؤمن الذي التجأ للمسيح في زمن النعمة الحاضر. فالأول ليس له يقين تام إذ يفقد حياته لو خرج من مدينة الملجأ، ثم إنه ليس له نصيب في المدن الخمس الأخرى. أما الثاني فله ليس فقط كل ما تشير إليه مدن الملجأ: القداسة، والقوة، والشركة، والحصن، والرفعة والسمو، والفرح؛ بل وأكثر كما قال الكتاب المقدس «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أفسس١: ٣).
عزيزي القارئ: مجانًا يقدم لك الرب كل بركات السماء بعد أن دفع الثمن على الصليب وما عليك إلا أن تعترف بفمك وتؤمن بقلبك، تلجأ إليه فتنال كل شيء.