«أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: “كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ الذي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ”. قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: “يَا سَيِّدُ، أَعْطِنِي هَذَا ٱلْمَاءَ، لِكَيْ لَا أَعْطَشَ وَلَا آتِيَ إِلَى هُنَا لِأَسْتَقِيَ”. فَتَرَكَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: “هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟”. فَخَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ» (يوحنا٤: ١٣-١٥ و٢٨-٣٠).
الفرق الجوهري بين المية اللي مصدرها أرضي، والمية الحية اللي أشار ليها الرب: إن كل اللي يشرب من المية الأرضية يعطش ويعوز أكتر ويفضل طول الوقت عايز ياخد ومحتاج للمزيد. إنما اللي يشرب من الماء الحي، تلاقيه بيدي مش محتاج ياخد. فالماء الحي اللي شربه، يصير فيه ينبوع ماء متجدد فايض عليه وعلى اللي حواليه. تلاقيه بدل ما كان بيتلفت حواليه بيدور على مصادر تروي عطشه وتسدد احتياجه، بقي بيدور يدي من اللي سبق واخذه. يتحول فيه الماء الحي إلى ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية!
لما الرب قال كده للسامرية، كأنها لقت لقية، كأنها عايزة تقوله: أنت حطيت إيدك عالجرح! هو ده اللي واجعني: العطش! بعطش كتييير وبالتالي باجي كتير لنفس المكان. بكرر نفس السلوك في محاولة للارتواء ومفيش فايدة. يا سيد أرجوك اديني من اللي بتقول عليه ده. ومكانتش بتفكر وقتها في أخذ المية عشان حكاية ينبع فيه وتدي الآخرين دي، لكن قالتله اديني عشان لا أعطش تاني، ولا أتي لذات المكان وذات السلوك.
وهنا رد الرب عليها: حبيبتي إنتي مش بس مشكلتك في تكرار المجيء لنفس المكان عشان المية الحرفية، لكن مشكلتك الأساسية أعمق من كده بكتير. مشكلتك إنك بتكرري نفس السلوك عشان تروي عطشك الداخلي. كل مرة تحسي إنك عطشانة للحب والحنان، تروحي تتجوزي! عملتيها خمس مرات، ومع إنك فشلتي في الارتواء، لكنك لسة مفشلتيش! «بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ، وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذلِكَ لَمْ تَضْعُفِي» (إشعياء٥٧: ١٠).
فلما الأزواج الخمسة لم يشبعوكي، لسه بتحاولي، لكن «الذي لك الآن»، اللي انتي بتحاولي ترتوي معاه، ده مش بتاعك ومش من حقك!
وبعد كشف الحقيقة دي، اقتنعت المرأة بفشل محاولاتها المتكررة لإرواء عطشها الحرفي والمعنوي...
لكن يا ترى عملت إيه لما وصلت للقناعة دي؟
في الحقيقة كانت رائعة جدًا في رد فعلها.
مرات كتير الرب بيوصّلنا لقناعة معينة: إن الشيء ده، أو اعتياد السلوك ده مش بيرويني، أو بيرويني لوقت قليل وبرجع أعطش تاني واضطر أكرر نفس السلوك، لحد ما باُستنزَف نفسيًا وعاطفيًا ويمكن ماديًا كمان. ساعتها إيه الحل؟ هي دي روعة السامرية. يقول الكتاب:
أولًا: «فتركت المرأة جرتها». خلاص اقتنعت إنه مش هي دي وسيلة إروائها. فتركت اللي كانت متمسكة بيه كوسيلة لإروائها.
ثانيًا: «ومضت إلى المدينة». يعني عملت “يو تيرن” ورجعت. قالت: هبطل أسلك نفس الطريق وهبطل أمشي في الاتجاه الغلط.
وثالثًا: راحت قالت للناس: «هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟» وهنا المية الحية إبتدت تنبع فيها وتروي آخرين من غير حتى ما تشعر!
لكن نستغرب أن حوارها مع الرب كان فيه أكتر كتير من إنه قالها كل ما فعلت. اشمعنى الحتة دي بالذات اللي اقتطعتها من الحوار الطويل وراحت قالتها للناس؟! لأنه واضح إنه هي دي الحتة اللي كانت واجعاها، هي دي نقطة عطشها: “كل ما فعلت”. الحقيقة مكنش واجعها آباؤنا سجدوا في أي جبل؟ ولا أنهي بير اللي شرب منه أبينا يعقوب؟ ولا عدم معاملة اليهود للسامريين!
ومع إن دي بالذات كانت نقطة خزيها ووجعها لكنها ملفتش ودارت، بالعكس، راحت بكل بساطة وتلقائية قالتلهم: لقيت اللي شخَّص حالتي مظبوط، مشكلتي اللي كانت معذباني خلاص اتحلت. تعالوا شوفوا لقيت واحد عرف يوصل للداء في أعماقي! وساعتها الناس خرجوا من المدينة وأتوا إليه. واضح إن الناس كلها كانت تعبانة وما صدقت لقيته، كله تعبان وعايز اللي يقوله كل ما فعل!
وبصراحة الشهادة البسيطة - لكن الحقيقية - بتجيب ناس كتير. «فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة»، واضح انها مقالتهاش مرة وسكتت. لكنها فضلت تشهد وتعيد وتزيد، كأنه اعلان وعمالة تذيعه.
ولما خرج أهل المدينة وجم ليه وشافوه، مكتفوش بلقاء عابر كدة، لكنهم طلبوا إنه يمكث عندهم. ولأنه الرب شاف الاحتياج، فمكث هناك يومين، وفي اليومين دول آمن به أكثر جدًا بسبب كلامه هو. وساعتها قالولها: «لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لكن بسبب كلامه هو لأننا نحن قد سمعنا»، إنتي قولتي إنه كاشف الأسرار، وهو كمل وعرَّفنا إنه مخلص العالم. إنتي قلتي ألعل هذا هو المسيح؟ واحنا خلاص عرفنا وأتاكدنا وبنقولك ونعلم إنه بالحقيقة المسيح مخلص العالم.
قصة عن امرأة بسيطة، لكنها في لحظة تغييرها ربحت أهل مدينتها بشهادة بسيطة. والسر يكمن مش بس في إن شهادتها كانت بسيطة وحقيقية تمامًا، لكن حياتها على بعضها كانت حقيقية، لما كانت وحشة، كان معروف إنها وحشة، ولما اتغيرت، شهدت باللي الرب عمله فيها بالظبط.
مشكلتنا أننا بننكر إننا زي الباقيين! بننكر إننا عطشانين زي السامرية وزي باقي الناس، بنفكر إننا من طينة تاني! وبالتالي بننكر احتياجنا للمية، وبنفضل نلف سنين في دواير من الإنكار!
ولما ربنا يشفق علينا وينتشلنا من عطشنا ويروينا، بيبقي عندنا مشكلة تانية هي: عدم بساطة شهادتنا! شهادتنا منمقة لدرجة الكلكعة! وده لأننا معترفناش من البداية اننا بشر حقيقيين زي بقية البشر، عندنا نفس احتياجاتهم. مشكلتنا اننا مصرخناش من العطش، لكن كل واحد فينا اتكوّم على نفسه وكتم صرخاته اللي تحولت لآهات مكتومة... فلما الرب افتقدنا، وروى عطشنا، ومَنّ علينا بالمية الحية، صحيح بطلنا نتبع نفس السلوك وبطلنا نشرب من نفس المية اللي تعطّش. لكن المية الحية اللي جوانا لم تنبع فينا لينبوع ماء يفيض على الآخرين، وده لأننا مقلناش إننا “فعلنا” أساسًا، فازاي هنشهد ونقول إنه قال لي “كل ما فعلت”، وأنا مش عايز حد يعرف إني “فعلت” أساسًا!
الرب يدينا نعمة نكون حقيقيين تمامًا، لأن هي دي بداية البركة لينا وللي حوالينا.