عرض أحد الأثرياء قصره للبيع، ونظرًا لارتفاع قيمة القصر، كان عدد المتقدمون لشرائه قليلون، فجاءت للمالك فكرة عبقرية وهي قبوله أي عرض مهما كانت قيمته، مقابل شرط واحد فقط وهو: “حق الاحتفاظ بملكية مسمار في الحائط الخلفي للقصر”، على أن يطل هذا الشرط قائمًا حتى لو قرَّر المشتري الجديد بيع القصر؛ فحق المالك الأصلي في تملك المسمار في الحائط الخلفي قائمًا بالرغم من اختلاف الملاك للبيت كله. ولأن الشرط يبدو بسيطًا في عيون عموم الناس، ازداد عدد المتقدمين للشراء، حتى تمت صفقة البيع بالشرط المطلوب.
مرت السنوات، وازدادت القيمة العقارية للقصر بشكل ملحوظ جدًا، مما جعل الثري يفكر في شراء قصره مرة أخرى، ومع بدء عملية المفاوضات، أدرك المالك الأصلي أن المبلغ المطلوب للبيع أضعاف ثمنه منذ عدة سنوات مما حمَّسه للشراء مرة أخرى كنوع من الاستثمار العقاري.
استشار رجل الأعمال محاميه، والذي لفت انتباهه إلى حقيقة ملكيته المسمار الذي في الحائط الخلفي، وشجعه على استثمار تلك الفرصة الذهبية. وبالفعل استغل الرجل الفرصة، فكان يقوم بتعليق قاذورات وقمامة بيته في ذلك المسمار، كما أنه قام بربط كلاب حراسته فيه، وبمرور الوقت كنت لا تشتم سوى رائحة القاذورات؟ ولا تسمع سوى نباح الكلاب؟ وبذلك أصبح المكان غير مرغوب فيه. ولم يستطع المالك الجديد التخلص مما يزعجه بسبب ملكية الثري للمسمار في الحائط الخلفي. ثم قام الثري بحركة أخرى وهو أنه قام بتعليق لافته مكتوب فيها: “القصر معروض للبيع” أمام عيني المالك الجديد، الذي فوجئ بذلك بالرغم من أنه يسكن فيه! وبسبب الرائحة الكريهة ونباح الكلاب المزعج، قَلَّت قيمة القصر جدًا، وعزف المشترين عن شرائه. واستغل الثري الفرصة وعرض على سكان القصر شراءه مرة أخرى. ونظرًا لرغبتهم الحقيقية في التخلص من هذا الضجيج وافقوا على بيع القصر للمالك الأصلي والذي اشتراه بثمن أرخص مما باعه به بسبب استغلاله لحقه في ملكية: “مسمار في الحائط الخلفي للبيت”!!
صديقي: أعتقد أنك تستنكر معي تصرفات هذا الثري، لكن وبقليل من التفكير نرى أن هذا ما يفعله إبليس معنا كثيرًا، إذ يقنعنا بتملك جزء ضئيل أو ركن صغير من قلوبنا وعقولنا وحياتنا مثل ذلك “المسمار”. لذا يحذرنا الرسول بولس: «وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا» (أفسس٤: ٢٧). وقد كان فعلاً مُحقًا في ذلك، فكم شاهدنا بعيوننا وسمعنا بآذاننا كيف تدمرت حياة الكثيرين ممن أعطوا لأبليس مجالاً ومكانًا في حياتهم لأن: «السَّارِقُ لَا يَأْتِي إِلّا لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ» (يوحنا١٠:١٠). لذا دعونا نتوخى الحذر من خداع إبليس، ودعني هنا أشاركك ببعض من الخدع التي يستخدمها معنا إبليس مثل:
(١) التشكيك والإنكار
إنه المسمار والسهم الأول الذي استخدمه إبليس لإسقاط الإنسان في جنة عدن، عندما جاء إلى أمنا حواء في صورة حيّة مشككًا في كلام الله بالقول: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» (تكوين٣: ١). لاحظ التعبير “أحقًا” وكيفية التضليل في مصدر الحق كله - الله - فإبليس: «مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ» (يوحنا٨: ٤٤).
لذا دعونا نتحذر من ذلك السهم الخطير الذي يستخدمه إبليس للتشكيك في صدق مواعيد الله وكلامه؛ لأنه إذا نجح في اسقاطنا فيه فسيكون السقوط “عظيمًا”، فنفقد الثقة في صدق مواعيد الله وأمانته، وعندها تبدأ الهوة العميقة من الشك، اليأس، الإنكار والرفض في النفس البشرية.
ردد لي وعودك وكفاية.. يا كفايتي دايمًا وحمايا
ما انت كفيل أنك تُجريها... وإيماني تشدد يا رجايا
(٢) التصغير والاحتقار
إنه لَسهم خطير جدًا يستخدمه إبليس وهو التصغير والتقليل من خطورة الخطية ونتائجها، خافيًا مدى فظاعتها وبشاعتها في نظر الله القدوس. لقد استخدمت الحية أيضًا ذلك الأسلوب في الجنة عندما قالت: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تكوين٣: ٤، ٥). ليحفظنا الرب من الاستهانة بالخطية كبرت أو صغرت لأن: «خَمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ» (غلاطية٥: ٩). فالتساهل مع الخطية يؤدي إلى تدمير حياة القداسة والطهارة لذلك يقول الكتاب: «خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ» (نشيد٢: ١٥). كما أن: «َالذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمِنَ الْكَرَامَةِ» (جامعة١٠: ١)، فذبابة صغيرة ميتة يمكنها إفساد أغلى وأفخم قوارير العطور، وخطية صغيرة (في نظر المخطئ) قد تدمر الفرد أو الجماعة أخلاقيًا، سلوكيًا، ماديًا، اجتماعيًا وروحيًا!
(٣) الضغط بإصرار واستمرار
الشيطان خصم عنيد وماكر يعرف كيف يوظف ويصوب لا مساميره بل سهامه الملتهبة نحو فرائسه. وهل ننسى إصراره ومحاولاته في إسقاط يوسف الطاهر من خلال أفعال شريرة ومدمرة حاكها لهذا الشاب الأمين في بيت فوطيفار؟ وأرجو أن تلاحظ معي عدد الأفعال في تلك التجربة الصعبة (تكوين٣٩) وكيف أَنَّ ١- «امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ» ٢- قَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». ٣- «كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا» ٤- «فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!» ٥-«نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُم» ٦- «فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ» ٧- «فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا».
محاولات مستميتة وبإصرار لأسقاط يوسف في الخطية. لكن شكرًا للرب الذي حفظ يوسف طاهرًا مُقدسًا إذ: «تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرجَ إِلَى خَارِجٍ». لذلك يشجعنا الرسول يعقوب قائلاً: «فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ» (يعقوب٤: ٧، ٨). ليساعدنا الرب على تعلم درس الهروب من الخطية «أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس٢: ٢٢). وصدق من قال: “إن جناحي الحمامة للهروب أقوى من مخالب الأسد للمقاومة”.
أخيرًا، تذكر يا عزيزي إننا دائمًا في حرب روحية، لذا كن مستعدًا بارتداء سلاح الله الكامل (أفسس٦)؛ حتى نستطيع التصدي لسهام إبليس وأكاذيبه باستمرار من نحونا.