سأل الرب تلاميذه سؤالين، عندما كان في نواحي قيصرية فيلبس:
السؤال الأول: من تقول الجموع أنى أنا؟ فأجابوا وقالوا: يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا وآخـرون إرميا وآخـرون إن نبيًا من القدماء قام. وأظهرت ردود التلاميذ المفاهيـم المألوفة لدى الناس.
أدرك اليهود أن الرب يسوع ليس إنسانًا عاديًا؛ بل هو شخصية عظيمة متميزة عن الباقين، ولكنهم لم يصلوا إلى حقيقة شخصه، وظنوا أنه:
يوحنا المعمدان: ومصدر هذا القول هو هيرودس الملك الذي قتل يوحنا المعمدان (متى١٤: ١، ٢).
إيليا: اعتقدوا أن هـذا هو تحقيق للنبوة المذكورة فـي ملاخي٤: ٥، ٦، غير عالمين أن يوحنا المعمدان قـد جاء بقوة إيليا (متى١١: ١٤؛ ١٧: ١٢)، لكن قتله هيرودس الملك.
إرميا: على الأرجح جاء هذا القول من تقليد الشيوخ لأنه لا توجد أية إشارة إلى ذلك في النبوات.
واحد من الأنبياء: مستندين على ما جاء في تثنية١٨: ١٥، ١٨؛ لكن المسيح ليس واحد من الأنبياء بل هو النبي؛ وليس فقط النبي بل هو الله الظاهر في الجسد.
صرف الرب زمانًا طويلاً بينهم يصنع أعمالاً عظيمة تشهد عن حقيقة شخصه وعظمته، ولكـن أفكار الناس عنه أنه نبي فقط أو واحد من الأنبياء.
مع أن المسيح - له المجد - كان إنسانًا نبيًا، ولكن الإيمان به كالنبي فقط لا يخلص ولا يكفي؛ بل يجب الإيمان بأنه ابن الله الحي «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابـن لـن يـرى حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يوحنا٣: ٣٦).
والسؤال الآن موجه لكل منا: وأنت ماذا تقول عن المسيح؟ وبناء على إجابتك يتحقق مصيرك الأبدي.
والمسيح - له المجد - سأل التلاميذ سؤالاً ثانيًا وهو: «وأنتم من تقولون إني أنا؟». وكلمة «وأنتم» تعلن انفصالهم عن الجموع وتميزهم في الإجابة والإيمان به، وأيضًا عدم رضا المسيح عن إجابة الشعب عن شخصه، والآن هو يطلب إجابتهم. فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحي!» وكانت إجابتـه إعلانًا من الآب له، وجاء هذا الإعلان نتيجة صلاة المسيح له (لوقا٩: ١٨).
في الكلمات التي قالها بطرس نجد الإعلان عن الرب يسوع أنه:
أولاً: المسيح: أي الممسوح من الله ليكون ملكًا على شعبه.
ثانيًا: ابن الله الحي: اعترف نثنائيل بأنه ابن الله (يوحنا١: ٤٩)، وكذلك التلاميذ الذين كانوا في السفينة سجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن الله (متى١٤: ٣٣)، وكذلك مرثا (يوحنا١١: ٢٧)؛ وهذا بناء على ما جاء فـي العهد القديم أن المسيح هو ابن الله (مزمور٢: ٧، ١٢؛ إشعياء٩: ٦؛ أمثال٣٠: ٤؛ هوشع١١: ١). ولكنهم لم يقولوا إنه ابن الله الحي، لكن بطرس اعترف أنه ابن الله الحي (اقرأ أيضًا يوحنا٦: ٦٨، ٦٩). وقوله هذا معناه أنه - تبارك اسمه - مصدر الحياة وله حياة في ذاته، وليس ذلك فقط بل يمنحها أيضًا للآخرين. وهذا هو وصف الآب ووصف الابن باعتبار أن كل منها هو الله بذاته «كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء... لأنه كما أن الآب له حياة فـي ذاتـه، كذلك أعطى الابـن أيضًا (بصفة ابن الإنسان) أن تكون لـه حياة في ذاته» (يوحنا٥: ٢١، ٢٦).
كما نرى المساواة بين الآب والابن، فالآب أعطى بطرس هذا الإعلان، والابن أيضًا أعطى إعلانًا آخر، وقال لبطرس: «وأنا أقول لك أيضًا: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنسيتي».
بعد شهادة بطرس الرائعة عن المسيح أنه ابن الله الحي، نجد أن الرب مدحه وطوَّبه فقال له: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ». طوبى لك، أي يا لسعادتك وفرحك، لقد عرفت هذا الإعلان ليس من البشر، لكن الآب أعلن لك.
قال له الرب: «أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا».
نجد هنا أول إشارة في العهد الجديد عن الكنيسة، جماعة المؤمنين بالمسيح. وقد تكوَّنت الكنيسة يوم الخمسين، يوم نزول الروح القدس من السماء وسكناه في المؤمنين، والرب مسؤول عنها حتى يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً.
الصخرة: هو الإعلان الذي أخذه بطرس من الآب، وهو أن المسيح ابن الله الحي، فالصخرة هي المسيح، والكنيسة مبنية على المسيح.
«وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا»: الكنيسة مُبغَضة من الأشرار، ومن الشيطان، لذلك يشن هجومًا شرسًا عليها مستخدِمًا جنوده على الأرض، ولكن لأن الرب مسؤول عن كنيسته؛ لذلك أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.
ثم أعطاه الرب امتيازًا ثمينًا فقال له: «وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ»، نلاحظ مفاتيح ملكوت السماوات وليست السماء ولا الكنيسة؛ لأن دخول السماء ليس مرتبط بالبشر، بل مرتبط فقط بالإيمان القلبي بالمسيح أنه ابن الله الحي وبعمله على الصليب، «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال٤: ١٢).
«وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ»، هذا الإمتياز أُعطى لبطرس فقط، ونعلم أن الذي معه المفتاح هو الذي يفتح الباب، واستخدم الرب بطرس في فتح باب هذا التدبير الجديد، ملكوت السماوات، لليهود في أعمال٢، يوم الخمسين، عندما خدم وسط اليهود وآمن ثلاثة آلاف شخص بالمسيح واعتمدوا، واستخدمه أيضًا لفتح الباب للأمم في أعمال١٠ عندما ذهب إلى بيت كرنيليوس وبشَّره بالمسيح وعمله، فآمن هو وكل الذين كانوا معه، واعتمدوا أيضًا بالماء. والباب الآن مفتوح لكل من يريد أن يدخل إلى دائرة ملكوت السماوات، ولكنه سيُغلق عند اختطاف الكنيسة.
ملكوت السماوات: هي دائرة الإعتراف المسيحي، وهي دائرة على الأرض تخضع للمسيح الموجود الآن في السماء، وفي هذه الفترة هي المُلك السري للمسيح وليس العلني، وهذه الدائرة بها فريقين: زوان وحنطة (متى١٣: ٣٠)، عذارى حكيمات وعذارى جاهلات (متى٢٥: ١، ٢).
شهد بطرس عن المسيح أنه ابن الله الحي، ونال التطويب من فم الرب يسوع، وأخذ إعلان عن الكنيسة وأيضًا مفاتيح ملكوت السماوات، فكان له الطوبى.
وللحديث بقية