يتحير الكثيرين كيف يعيشوا الحياة المسيحية وسط عالم شرير؟ والحقيقة أنه ما من مرة طلب الرب منا أن نعمل شيئًا لمجده أو نحيا له إلا وقدَّم لنا ما نحتاجه من القوة والإمكانيات الإلهية. وهذا ما يقدمه الرب لنا في هذه الآيات قائلاً:
«اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ... فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (متى٧: ٧-١١).
ربط الكثيرين هذه الآيات بالاحتياجات المادية فقط، مع أنه ينفع تطبيقها كذلك، لكن الغرض هنا ليس ماديًا زمنيًا بل روحيًا. أما الاحتياج الزمني قدم الرب يسوع تشجيعًا رائعًا في حديثه في السابق عندما قال «لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا» (متى٦: ٣٢).
أولاً: لماذا قدم الرب هذا الوعد بصفة خاصة؟
بعد أن شرح الرب صفات المؤمن المسيحي الحقيقي بصفات عديدة كملح للأرض، ونور للعالم. وبعد أن قدم المسيح نصائح هامة مثل: “لا تدينوا”، وخطورة النظرة غير الطاهرة لامرأة. وطلب الرب أن نحب أعدائنا ونصلي لأجل المسيئين إلينا. يأتي سؤال في داخلنا “من هو كفؤ لهذه الأمور؟!” ولذا قدَّم الرب يسوع لنا الباب المفتوح لننال المعونة قائلاً «اسألوا... اطلبوا... اقرعوا».
ثانيًا: لماذا استخدم الرب هذه العبارات عن الصلاة؟
١. يريد الرب أن يشجعنا بكل الطرق لكي نصلي ونطلب منه المعونة والقوة، ويزيل أي خجل والشعور بعدم الاستحقاق لقد قال «اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا١٦: ٢٤).
٢. هناك فارق بين السؤال والطلبة واللجاجة؛ فالسؤال هو لشيء محدد، والطلبة تحمل معنى الاحتياج، أما القرع فيحمل معنى اللجاجة والحاجة المُلحة. وإليك بعض الأمثلة:
ا
لسؤال: «هذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ، انْطَلَقَ إِلَيْهِ
وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ» (يوحنا٤: ٣٧).
الطلبه: «
طَلَبْتُ إلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي» (مزمور٣٤: ٤) وأيضًا «فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ
طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ» (فيلبي٤: ٦).
القرع: اللجاجة والاحتياج والإصرار في انتظار الرب. واضح هذا الأمر في مثل صديق نصف الليل، حتى أن الرب يقول «فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ) «لوقا١١: ٨).
ثالثًا: يقدم الرب الوعد والضمان الإلهي بنوال الإستجابة
«لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ» (لوقا١١: ١٠). أراد الرب أن يؤكد أنه يستجيب لطلبة أحبائه، ولا سيما الذين يريدون أن يكرموه ويمجدوه، لذا ركز الرب على الأمور الروحية فقال: «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ») لوقا١١: ١٣).
في حوار جميل للرب مع سليمان نجد روعة السؤال والطلبة وسرعة الاستجابة. سأل الرب سليمان ماذا يريد فقال:«فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْبًا فَهِيمًا لأَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» وكانت إجابة الرب له «هُوَذَا قَدْ فَعَلْتُ حَسَبَ كَلاَمِكَ. هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْبًا حَكِيمًا وَمُمَيِّزًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَلاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ» (١ ملوك٣: ٩، ١٢).
وقد لا يستجيب الرب الطلبة كما نريدها تمامًا، لكن يستجيب حتمًا بالطريقة التي يراها هو. فعندما تضرع بولس لأجل الشوكة طالبًا أن يفارقه ملاك الشيطان، أي مضايقات العدو، وكانت الاستجابة الإلهية «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ» (٢ كورنثوس١٢: ٩).
رابعًا: الأب الأرضي يعطي فكم بالحري الآب السماوي
«أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا يُعْطِيهِ حَجَرًا؟» (متى٧: ٩). من المعروف أن الأب الأرضي يتفانى لتوفير احتياجات أولاده، والكتاب يؤكد ذلك بالقول «لأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنَّ الأَوْلاَدَ يَذْخَرُونَ لِلْوَالِدِينَ بَلِ الْوَالِدُونَ لِلأَوْلاَدِ» (٢ كورنثوس١٢: ١٤). فكم يكون أبونا السماوي الذي مغبوطٌ هو العطاء عنده أكثر من الأخذ! فهو الذي باركنا في ابنه بكل بركة روحية في السماويات. فهل يبخل علينا بشيء؟
وما أروع هذا التعبير المُلذ «أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (متى٧: ١١). فكثيرًا ما يصور العدو أبانا السماوي بأنه القاسي ولا سيما عندما نمر بظروف قاسية. فكم نحتاج أن ندرك أنه جوَّاد ولا يعطي إلا الخير.
لقد اختبر هذا العطاء بولس عندما قال «وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي الْكِرَازَةُ» (٢ تيموثاوس٤: ١٧).
لذلك إذ نشعر بضعفنا وخوارنا، بقلة جهدنا وعدم مقدرتنا على المواصلة، دعونا بكل ثقة ويقين نرتمي بين أحضان الآب السماوي. لنسأل ونطلب ونقرع طالبين قوة ومعونة، فهو الذي يغيث المعيَ بكلمة ولعديم القوة يكثِّر شدة، وهو أيضًا ينصف مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً حتى وإن تمهل عليهم.