أخذ الرب بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل ليصلي. وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضًا لامعًا. كان الهدف من صعوده على الجبل هو الصلاة والنتيجة هي المجد، ونحن إن كنا نريد أن نتغير أدبيًا فعلينا بالصلاة (٢كورنثوس٣: ١٨).
رأى التلاميذ ربنا يسوع المسيح في اتضاعه، ولكي يشدد الرب إيمان التلاميذ، وإيماننا، أراهم لمحة من أمجاد المستقبل لكي يعرفوا أن طريق الآلام سوف ينتهي بالمجد.
صعود الجبل مُجهد وصعب، ولكن على الجبل يصغُر العالم في أعيننا، ونرى مجد الرب، ونتمتع بالشركة معه (مزمور٢٤: ٣، ٤).
للرب يسوع المسيح
ثلاثة أنواع من المجد أولاً: مجده الشخصي كالابن الأزلي، أي مجد لاهوته (يوحنا١: ١٤). ثانيًا: مجده الأدبي كالإنسان الكامل، فلقد عاش على الأرض حياة الطهارة والبر، حياة الوداعة والتواضع. ثالثًا: مجده كالملك.
أخذ الرب بطرس ويعقوب ويوحنا فقط على الجبل لأن هؤلاء الثلاثة كانوا أكثر التلاميذ قربًا للرب، وهؤلاء الثلاثة كان أمامهم طريق خاص للآلام لا بد أن يجتازوه، ولكي يشجعهم الرب أراهم لمحه من أمجاد الملكوت؛ فيعقوب هو أول من استشهد من الرسل، ويوحنا نفي إلى جزيرة بطمس، وبطرس تألم كثيرًا حتى أن التاريخ يقول أنه مات مصلوبًا ولكنه مقلوبًا، لذلك كان لا بد لهم أن يروا لمحة من المجد حتى يتشجعوا طول رحلة الألم.
عندما صلى الرب يسوع له المجد على الجبل
تغيرت هيئته الخارجية وهذا التغير، نابع من الداخل، فلقد أشرق وجهه ببهاء لامع، وشع ثوبه ببياض باهر، وهذا كان بمثابة لمحة مسبقة عن مجد المسيح خلال ملكوته الآتي.
في هذا المشهد العظيم حيث كان الرب يصلي «وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذى كان عتيدًا أن يكمله فى أورشليم». نلاحظ أن موسى وإيليا كانا يتكلمان معه، وليس مع بعضهما البعض، ولا حتى مع الرسل، ونحن نحتاج أن نتكلم معه، عن أعظم عمل وهو عمل الصليب، فنشكره ونحمده، ونذكر عمله.
ونرى في هذا المشهد دائرتين من المؤمنين:
(١) دائرة سماوية يمثلها موسى وإيليا اللذان ظهرا بمجد مكتسب منه.
(٢) دائرة أرضية يمثلها بطرس ويعقوب ويوحنا بأجسادهم الطبيعية.
وهكذا عندما يملك المسيح على الأرض في الألف سنة ستكون هناك دائرتان: الدائرة السماوية وتسمى ملكوت الآب (متى١٣: ٤٣)، والدائرة الأرضية وتسمى ملكوت ابن الإنسان، وكلاهما ملكوت الله، والرب يسوع المسيح يربطهما معًا (أفسس١: ١٠).
موسى مات، لذلك فهو يمثل الراقدين المقامين بالجسد الممجد، وإيليا أُصعد حيًا إلى السماء لذلك فهو يمثل الأحياء المختطفين بالجسد الممجد.
كان
موضوع الحديث بين الرب يسوع وموسى وإيليا هو خروجه الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم، وكلمة خروجه تعني موته وصليبه، وهو أساس خلاصنا، وهذا هو موضوع الناموس والأنبياء، وهو موضوع الأبدية كلها.
اعترض بطرس سابقًا على موضوع الصليب، ووبخه الرب قائلاً له: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!»، ولكن ها موسى وإيليا يتكلمان عن الصليب، فربما ذكر موسى قصة خروف الفصح، وكيف أنها كانت تشير إلى موت المسيح، وذكر إيليا الذبيحة التي قدمها على جبل الكرمل، والنار التي نزلت من السماء وأكلتها، وكيف كانت تشير أيضًا إلى ذبيحة المسيح.
بالرغم من مشهد التجلي العظيم، لكن بالأسف بطرس واللذان معه كانوا قد تثقلوا بالنوم، وعند النوم الروحى نفقد الكثير من البركات. لذلك يليق بنا أن نستيقظ ونسهر روحيًا فنشاهد عظمة المسيح.
يقول الوحي في لوقا٩ «فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَا مُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ».
قال بطرس عبارتين: الأولى صحيحة وجميلة، ولكن الثانية خطأ؛ العبارة الأولى: «يا رب جيد أن نكون ههنا»، فلقد أعلن أن المسيح هو الرب، ورغبته مع زملائه أن يجلسوا معه ويتمتعوا به، وأيضًا توجه بالطلب للرب يسوع ولم يطلب من موسى وإيليا.
العبارة الثانية «فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ» (متى١٧: ٤)، وأخطأ بطرس فيها عدة أخطاء:
أولاً: مجيء المسيح للأرض ليس للمظال بل للصليب حيث الآلام (١بطرس١: ١١).
ثانيًا: عندما وضع موسى وإيليا في مستوى واحد مع الرب يسوع، فلقد نسي مجد المسيح الفريد كابن الله بحسب إقراره السابق (متى١٦: ١٦).
لا يجوز أن نضع أحدًا بجوار الرب يسوع، حتى ولو أعظم أنبياء العهد القديم أو رسل العهد الجديد، «لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كولوسي١: ١٨).
لذلك تكلم الآب مباشرة، وقطع كلام بطرس، شاهدًا عن ابنه: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». وذلك لكى يعطي ابنه الكرامة الخاصة به والتي ترفعه فوق مستوى البشر جميعًا، واقترن بكلمات الآب اختفاء موسى وإيليا لكي لا يبقى فى المشهد إلا يسوع وحده. «وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ». كانت
السحابة التي ظللتهم هي سحابة المجد الإلهي، علامة على الحضور الإلهي وسط شعبه، لذلك خاف بطرس جدًا وارتعب هو والذين معه، ثم سقطوا على وجوههم، إنهم لم يحتملوا لمحة من المجد الإلهي في أجسادهم الضعيفة.
«فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا»، وهنا نجد رقة الرب وحنانه، وتشجيعه لهم.
«فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ»، تعلم بطرس هذا الدرس الثمين، وهو أن عينيه توضع فقط على المسيح وليس غيره، لذلك قال: «تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (١بطرس٢: ٢١).
نام بطرس في مشهد المجد، وبالتأكيد خسر التمتع برؤية مجد المسيح لفترة أطول، وأيضًا خسر الكثير من الحديث الذي دار بين الرب وموسى وإيليا.
كم نخسر كثيرًا أثناء نومنا الروحي، وأحيانًا الجسدي، لكن ليعطنا الرب يقظة روحية مستمرة، فنتمتع بالرب يسوع باستمرار، وذلك بالجلسة معه، والحديث إليه، وسماع صوته، والشبع اليومي بكلمته الحية الفعالة.
وللحديث بقية