نصيحة بملايين الدولارات

في صباح السابع من يناير٢٠٢١، كتب “إيلون ماسك” وهو أغنى رجل في العالم، تغريدة عبر حسابه الشخصي على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” قال فيها: “استخدموا تطبيق سيجنال”. في هذا الوقت كان قد أعلن المسؤولون عن تطبيق “واتس آب” الشهير عن اعتزامهم تغيير خاصية الخصوصية لمستخدميه عن المعتاد قبل عام ٢٠٢١. هذا التوجه الجديد أثار موجة من الغضب الشديد لمستخدمي الواتس اب، أدَّت إلى خسائر كبيرة في أسهم الشركة في البورصات العالمية. لكن من الجهة الأخرى لاقى إعلان “إيلون ماسك” قبولاً كبيرًا، وإعجابًا مذهلاً، وتفاعلاً ضخمًا مع تويتته، فتهاتف مستخدمي البورصة في البحث عن أسهم شركة “سيجنال”. وبالفعل ازدادت حركة البيع والشراء على شركة “سيجنال أدفانس”، للدرجة التي جعلت المدير التنفيذي للشركة يصرح معلنًا تحقيق أرباح مذهلة لم تشهدها الشركة منذ تأسيسها، إذ ارتفع سعر السهم في البورصة أكثر من ١٠ أضعاف، وحققت الشركة رأس مال سوقي بـــ٦٦٠ مليون دولارًا أمريكيًا، وذلك لسبب الاقبال الشديد لشراء الأسهم تفاعلاً مع نصيحة “أغنى رجل في العالم”.

لكن سرعان ما انتاب المستثمرين جميعًا صدمة ودهشة كبيرة، عندما علموا أن شركة “سيجنال” المالكة للتطبيق لم تُطرح بعد في البورصة، وإن الشركة التي تم التداول عليها تعمل في مجال المستلزمات الطبية، وهي بعيدة كل البعد عن مجال “التواصل الاجتماعي”، وكل هذه الأرباح أتت فقط بسبب تشابه اسمها مع اسم الشركة التي يفكر أن يقوم بطرحها في الأسواق مستقبلاً!!

أصدقائي:

وقفت كثيرًا أمام الخبر، وأدركت أهمية وقيمة الحصول على النصيحة من أصحابها، ومدى تأثير من لهم قدر من الثقة والنفوذ على قرارات الآخرين، بل وأهمية الاستثمار الصحيح في المكان والزمان الصحيحين. لذا اسمح لي أن أشاركك بهذه الأفكار الثلاثة:

١- أهمية الخصوصية

غضب مستخدمي (الواتس اب) بسبب أن المسؤولين يرغبون في اختراق خصوصيتهم. ومما لا شك فيه، أن لكل منا أسراره وأحلامه، آماله وآلامه، ولا يريد لأحد أن يشاركه فيها أو يطلعه عليها، وننزعج كثيرًا إذا ما اخترق أحدهم أسرارنا وخصوصياتنا، عاطفية كانت أم مهنية، مادية أم روحية. وقد ينجح البعض منا في إخفاء أسراره وخاصة المُخزي منها، لكن فاتنا حق صريح، نطق به المسيح وهو: «لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ» (متى١٠: ٢٦)، إنه الرب: «كَاشِفُ الأَسْرَارِ» (دانيآل٢: ٢٨). عيناه تكشفان أستار الظلام، فهو صاحب السلطان و«لَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عبرانيين٤: ١٣). لذا ليتنا نفتح له قلوبنا ونكشف له صدورنا قائلين مع داود: «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مزمور١٣٩: ٢٣، ٢٤).

٢- الحاجة إلى الوصية

لأن: «الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ» (أمثال٦: ٢٣)، فالحاجة ماسة إليها وخاصة لو أتت من حكيم وفهيم، خبير وبصير، عندئذ سيكون لها تأثيرها الكبير والفعال، كما فعل المستثمرين ووثقوا في إنسان له ثقله في مجال المال والأعمال. لذا دعونا نتعلم الدرس ونأخذ النصيحة والارشاد ممن هو جدير بالسير وراءه واتباع خطواته وتعليماته. ليتنا نوجه انظارانا للرب الذي قال: «أَنَا الْحِكْمَةُ أَسْكُنُ الذَّكَاءَ، وَأَجِدُ مَعْرِفَةَ التَّدَابِيرِ» (أمثال٨: ١٢)، ونقول مع آساف: «بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي» (مزمور٧٣: ٢٤). إنه أجمل من أعطى نصائح على الإطلاق: فعن الصدق قال: «لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ» (متى٥: ٣٧). وعن محبة الآخرين أوصى: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (متى٥: ٤٤). وقال أجمل ما قيل عن الصلاة «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ» (متى٦: ٦، ٧). فمن مثله ناصحًا ومعلمًا؟

٣- مضاعفات الأبدية

لقد تضاعفت أسهم البورصة لشركة “ادفانس سيجنال” ما بين ليلة وضحاها، وهذا يذكرنا بإكرام الرب لعبده إسحاق عندما «َزَرَعَ إِسْحَاقُ... فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ» (تكوين٢٦: ١٢)، إنها أرقى بل وأبقى البركات بما لا يقاس هنا وفي الأبدية، قال الرب يسوع لبطرس: «كُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ» (متى١٩: ٢٩). لقد شجعنا بالقول: «بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ»، وهو على استعداد أن يبارك ويضاعف إذا كانت لنا القلوب والأشواق مثل الأرض الجيدة «وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ» (متى١٣: ٢٣). فهل نحن على استعداد للثمر المضاعف؟!