كان أحد المُرسَلين يتحدث إلى أهل قبيلة نائية لم يسمعوا قط شيئًا عن حياة المسيح. وكان رئيس القبيلة جالسًا في الصفّ الأماميّ، يُصغي بانتباه إلى كل ما يقوله المُرسَل.
ولما وصلت قصة حياة المسيح إلى قمَّتها، ووصف المُرسَل كيف عُلِّقَ المسيح على الصليب بلا رحمة ولا شفقة، لم يعُد رئيس القبيلة يستطيع أن يضبط نفسه، فوثب واقفًا، وقال بصوت عالٍ:“كفى! ليُنزَل عن الصليب. فهذا مكاني أنا، لا مكانه هو!”
بهذا أثبت رئيس القبيلة أنه فهم معنى الإنجيل، إذ أدرك أنه هو خاطئ، وأن المسيح وحده كان بلا خطية، ولا يستحق الموت، ولكنه كان على الصليب بديلاً عن الخاطئ الأثيم.
أيها الأحباء: أنا أيضًا كنتُ - كخاطئ أثيم، وكعبد للخطية - أقف على حافة الهـلاك، محكومًا عليَّ بالعذاب الأبدي في بحيرة النار والكبريت، لأنال فيها بعدلٍ استحقاق ما فعلت (لوقا٢٣: ٤١). وهل ذلك لأجل خطية واحدة؟ كلا، بل لأجل خطايا كثيرة اقترفتها ضد قوانين الله الثابتة غير المتغيرة، ولأجل آثام وذنوب لا تُحصى ارتكبتها ضد الله. ولكني تطلّعتُ إلى صليب الجلجثة، وإذ بابن الله“رَبِّي وإلهي”، وقد صار نائبي وبديلي، وذهب إلى الصليب ليقف مكاني - مكان المذنوبية والدينونة - أمام عدالة الله. لقد حمل في جسمه على الخشبة كل عقاب خطايايّ، وكل قصاص أستحقه كأجرة لآثامي وتعدياتي، لقد تحمَّلَ“سَيِّدي
” - بالنيابة عني - ألم الموت؛ لقد مات على الصليب لكي أحيَّا أنا في المجد! لقد تألم البار من أجلي أنا الأثيم، لكي يقربني إلى الله.
على الصليب أخذ الملك مكان العبيد، أخذ البار مكان الأثمة الخطاة، أخذ الراعي مكان الخراف، أخذ الرب يسوع المسيح مركزنا بكل نتائجه الرهيبة، لكي نأخذ نحن مركزه بكل نتائجه المجيدة. لقد حُسبَ هو المُذنب لكي نُحسب نحن مُتبررين. تركه الله لكي يقبلنا نحن. صار وسط ساعات الظلمة الرهيبة لكي ينقلنا نحن إلى النور الأبدي.
على الصليب قام عليه كل ما كان ضدنا. وفوق خشبة العار احتمل كل ما كان علينا، لكيلا يبقى علينا شيئًا مطلقًا. واجه الدينونة والموت فناب عنا فعلاً لكي نتمتع نحن بالبر والحياة الأبدية. وشرب هو كأس الغضب، وتجرّع غُصَص الهوان، لكي نتناول نحن كأس الخلاص، ونرتوي من فيض محبة الله وغنى نعمته.
لقد أخذ - له كل المجد - مركزنا، بكل نتائجه الرهيبة، لكي نأخذ نحن مركزه، بكل نتائجه المجيدة. ولقد حُسب هو المذنب لكي نُحسَب نحن متبررين. تركه الله لكي يقبلنا نحن. صار وسط ساعات الظلمة لكي ينقلنا إلى النور الأبدي.
يا لروعة الصليب!! أنا“العبد” أخطأت وأثمت وفعلت الشر، وكنت بعدلٍ استحق الموت والعذاب الأبدي، ولكن «رَبَّي وإلهي»؛ ملك الملوك ورب الأرباب، تحمَّلَ العقاب الأبدي. لقد تحمَّلَ الدينونة وأُعتقتُ أنا «قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ» (أيوب٣٣: ٢٧، ٢٨). وعلى الصليب، كان الرب يسوع المسيح «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء٥٣: ٥، ٦).
أيها الأحباء ... لقد كان الصليب بحق هو مكاني ومكانك، وارتضى المسيح أن يعتليه لأجلي ولأجلك. وهناك أُخِذَ البار عوضًا عن الأثيم، لكي يُقبَل الأثيم في البار «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (١بطرس٣: ١٨). فخطايانا هي التي أتت بالمسيح إلى الصليب، والمسيح هو الذي أتى بنا إلى الله!
بالاختصار: أخذ المسيح على الصليب ما نستحقه نحن، لكي نأخذ نحن ما يستحقه هو. ولم ينزل المسيح من على الصليب إلا بعد أن قال «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا١٩: ٣٠). فسدّد لعدالة الله حقوقها، وتمَّم للناموس مطاليبه، ودفع أجرة الخطية بدلاً عنا، ولم يبقَ على الخاطئ الأثيم الذي يريد أن يتبرَّر إلا قبول عمل المسيح لأجله.
قارئي العزيز: عندما تتأمل مشهد ابن الله مُعلَّقًا على الصليب، يتألم أشدَّ الآلام، والدم يسيل من جراحه، هل تستطيع أن تقول:“ذاك مكاني أنا!”. ومن ثم تتقدَّم خطوة أخرى فتضع ثقتك فيه باعتباره مُخلّصًا وفاديًا شخصيًا لك، بحيث يُمكنك أن تقول مع الرسول بولس: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية٢: ٢٠).
نعم، لقد أخذ المسيح مكاني على الصليب، ليُعطيني مكانًا في السماء!
فهل يُمكنك أنتَ الآن أن تُشير إلى الصليب، وتقول:“هذا مكاني أنا!”
إذ كُنتُ مَدْيونًا لِرَبِّي بالخطأ
وحُكِمَ عَليَّ بِالهَلاكِ مُرَّبطا
فأتى يَسوعُ لِلفِدا مُتوسِطًا
مُتكفِّلاً للهِ عّنِّي بالعَطا
فَوَفَاهُ مِنْ فَوقِ الصليبِ دُيونِي