١- ما المقصود بالحرب الروحية؟
الحرب الروحية ببساطة هي حرب تدور في العالم الروحي - غير المنظور - يشنها الشيطان على المؤمن بهدف إسقاطه في الخطية وإصابته بالفشل والضعف؛ ومن ثم ابتعاده عن الشركة والعلاقة مع الله.
٢- هل هناك أسلحة ومُعدات في هذه الحرب؟
هي حرب بمعنى الكلمة، لكنها تدور في العالم الروحي. أرض المعركة فيها هي الذهن البشري، ويستخدم فيها الشيطان أسلحته وجنوده ومُعداته ليسقط المؤمن. لكن المؤمن أيضًا لديه سلاح الله الكامل الذي يُحارب به الشيطان. وحتمًا ينتصر عليه إن كان متدربًا على استخدام سلاح الله الكامل. ومستندًا على نعمة الله، وقوته. قال الرسول بولس واصفًا هذه الحرب: «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» (أفسس ٦: ١٢). وقال عنها أيضًا: «لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ. إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ» (٢ كورنثوس ١٠: ٣، ٤).
٣- وما هو سلاح الله الكامل؟
مذكور في أفسس٦ كالتالي:
منطَقة الحق - درع البر - حذاء إنجيل السلام - ترس الإيمان - خوذة الخلاص - سيف الروح - وجهاز الاتصال الممثَّل في الصلاة الدائمة والاتصال المباشر بالله.
«أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ» (أفسس ٦: ١٠ – ١٨).
٤- هل لهذه الحرب وقت معين؟
العدو الذي يحاربنا لا يهدأ ولا يمل في حربه معنا، بل هو دائمًا يُخطط ويرتب لكي يجعلنا دائمًا بعيدين عن محضر الله حيث نتمتع بالقوة والقداسة والنصرة. لذلك حذرنا الرسول بطرس من هذا الأمر بقوله: «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (١بطرس ٥: ٨).
٥- وما الهدف من هذه الحرب؟
الشيطان يحارب الله في أولاده؛ يريدهم دائمًا منكسرين، مهزومين، مضطربين، خائفين. هذا الامر يملأ قلبه بالزهو والشعور بالانتصار. حيث يرى أولاد الله لا يدركون قيمتهم ومكانتهم لدى الرب. لا يمارسون سلطانهم عليه.
هدف الشيطان دائمًا في حربه معك؛ أن تفشل. ألا تفكر في علاقتك بالرب. فهو يرتعب من علاقتك بالله؛ لأنه يعلم جيدًا أنها تجعل منك مؤمنًا قويًا منتصرًا مؤثرًا. لذلك فإن أقوى حرب يشنها عليك الشيطان تأتي في الوقت الذي تقرر فيه أن تقترب من الرب وتكون في شركة دائمة ومتصلة معه. هو دائمًا يحاربك كما سبق وذكرنا، لكن حربه تزداد عنفًا وشراسة حينما تقترب من الله، وتبدأ في إدراك وضعك وقيمتك كمؤمن وواحد من أولاد الله.
إن نجح الشيطان في إسقاطك، فإنه يعمل على إصابتك بمشاعر الفشل والإحباط والشعور بالذنب. حتى لا تفكر في الاقتراب من الرب. هذه هي غايته في حربه معك. لأنه يعلم جيدًا أنك طالما ابتعدت عن الرب فسوف تفعل كل الأمور بطريقة غير صحيحة، حتى وإن بدت صحيحة! هو فقط يريدك بعيدًا عن حضن أبيك السماوي!
لكن هناك أمر آخر في غاية الأهمية؛ فالله يستخدم هذه الحرب التي يشنها العدو على أولاده لخيرهم. نعم فقد يسمح الله لنا بهذه الحرب لنعرف عدونا، وندرك مكانتنا في المسيح، كما أنه يُعلم أيادينا القتال (٢صموئيل ٢٢: ٣٥). وبعد سلسلة من الحروب والسقطات والدموع والانتصارات، ثم الفشل والنجاح والضعف، ندرك تمامًا أن نصرتنا وقوتنا في المسيح وحده (أمثال ٢١: ٣١). وهذا الدرس الذي نتعلمه بعد الدموع والصدمات وسلسلة من الهزائم والانكسارات يجعلنا نلتصق بإلهنا ولا نجد في سواه ملجأ وصخرة لنا.
٦- ما الذي يفعله الشيطان في حربه معنا؟
الشيطان يفعل أمرًا غاية في الخبث؛ ما أن تبدأ في علاقة وشركة مع الله، وتتخذ قرارًا بالدخول إلى العمق، حتى يبدأ بضربات بسيطة وصغيرة تبدو وكأنها مواقف عادية، حتى يُضعف من قوتك تدريجيًا. وربما تسخر منه ومن ضرباته الضعيفة في البداية. لكن الحقيقة هو يضرب تلك الضربات الضعيفة بصورة متتالية حتى لا تشعر بما يُعده لك، وحتى يُضعف من قوتك بطريقة قد لا تشعر بها. ثم يضرب ضربات عنيفة ومتتالية فتفقد توازنك، وربما تنطرح أرضًا دون مقاومة كبيرة منك. حيث أنك قد ابتعدت قليلاً عن محضر الله بسبب ضرباته السابقة. وإن لم تدرك الأمر سريعًا فهو ينهال عليك بضربات أعنف وأشد حتى تخور وتسقط وتتراجع.
الأمر الهام الذي أود أن نتحذر منه جميعًا؛ أن الشيطان في حربه معنا يستخدم كل ما لديه من إمكانيات ليُسقطنا. يستخدم الظروف، والأفكار، والأشخاص، والمواقف؛ لكي يضغطنا ويشتت أفكارنا. لكن هناك أمرًا في غاية الأهمية أن الحرب قد تأتيك من الداخل أيضًا فقد يستخدم الشيطان جسدك، ومشاعرك، ونفسيتك في حربه معك. الرسول يعقوب يوضَّح هذا في رسالته فيقول: «مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟ أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟» (يعقوب ٤: ١). فالشيطان قد يستخدم رغباتنا وشهواتنا ولذَّاتنا في حربه معنا؛ لهذا لا بد أن نسهر ونصحو على حالتنا ونقاوة قلوبنا حتى لا يستخدم العدو هذا الأمر ضدنا.
٧- من وجهة نظرك، كيف اكتشف هذه الحرب، وماذا أفعل وقتها؟
أولاً: يجب أن نكون قريبين من الله حتى نشعر، بالروح القدس، بما يفعله الشيطان في العالم الروحي؛ لأن الشيطان ماكر وخبيث جدًا. ولا يكشف عن نفسه من البداية. فقد أتى لحواء بحديث خبيث يبدو وكأنه يفكر معها، ويبحث عن الأفضل لها.
ثانيًا: المؤمن الذي يعرف كلمة الله، وفي شركة دائمة معه. يستطيع أن يكتشف بسهولة أفكار العدو. كما حدث مثلاً مع الرسول بولس في قصته الشهيرة مع العرافة «وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا. وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَبًا كَثِيرًا بِعِرَافَتِهَا. هذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ، الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». وَكَانَتْ تَفْعَلُ هذَا أَيَّامًا كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ: أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا! فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ» (أعمال ١٦: ١٦ - ١٨).
ثالثًا: لا مكان لي كمؤمن أجري عليه غير أحضان الرب، مهما كانت قوتي وخبرتي وانتصاراتي السابقة. بمجرد ما أشعر ببداية حرب الشيطان معي، لا بد وأن أجري على الرب طالبًا القوة، والحماية. مسلِّمًا له الأمر برمته. واثقًا في قوته، وحكمته. وهذا التصرف لا ينطبق فقط على الحروب العنيفة والشديدة، إنما لا بد وأن يكون مع أصغر الشرر حتى لا تزداد نيران الحرب ضراوة.
رابعًا: إن نجح الشيطان في هزيمتنا، فهذا لا يعني نهاية الأمر. إنها لحظة حاسمة وفارقة جدًا في حربنا معه؛ إما أن ننطرح أرضًا ونمتلئ بمشاعر الفشل واليأس. ووقتها سيجذبنا الشيطان إلى أرضه أكثر حتى ينهال علينا بضربات أعنف وأشد فتكًا. أو نقوم بما نحن فيه ونجري إلى أحضان الآب السماوي الذي ينتظرنا رغم رائحة الخنازير، ورغم رداءة ما فعلناه. هذا التصرف سيعيد لنا القوة من جديد. ويصيب العدو بالفشل والشعور بالهزيمة رغم أنه انتصر علينا في تلك الجولة. سيعود مهزومًا يجر أذيال الخيبة رغم نصرته المؤقتة حينما يرانا في أحضان الآب مبتسمين رغم الدموع، فخورين رغم الهزيمة، ممتلئين قوة رغم ضعفنا الشديد.