الأمثال

وصلنا صديقي في رحلتنا“جميع الكتب” إلى سفر الأمثال، الذي يُقدِّم لنا الحكمة الإلهية. تَرِد كلمة“حكمة” ومرادفاتها ما يقرب من مئة مرة في هذا السفر. وهو يتحدث عن سلوك المؤمن في العالم، كيف يجب أن يكون؟

بعد أن رأينا المؤمن في حضرة الرب مُرنمًا ومُصليًا في سفر المزامير، هنا في الأمثال نراه سالكًا في نشاطات الحياة المختلفة ومتفاعلًا في دوائر علاقاته.

كاتب هذا السفر هو سليمان (أمثال١:١)، كما يحوي أيضًا كلام الحكماء (أمثال٢٢: ١٧)، وكلام أجور بن متقية مسَّا (أمثال٣٠)، وكلام لموئيل ملك مسَّا (أمثال٣١). ويعتقد البعض أن“أجور” و”لموئيل” هما اسمان آخران لسليمان.

كتب سليمان ثلاثة أسفار هي: الأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد، في مراحل حياته المختلفة. كما كتب أمثالًا كثيرة وصلت لثلاثة آلاف مَثلْ (١ملوك٤: ٣٢)، لكن الروح القدس انتقى منها هذه الأمثال لتكون ضمن الوحي الإلهي. وإن كان ليس كل ما قاله سليمان، وهو أحكم حكماء الأرض، أراده الله أن يصل إلينا في الوحي؛ فبالتأكيد ليس كل ما يقوله الناس من أمثال أو حكمة يصلح كمبادئ نعيش بها.

يظهر بوضوح أن سفر الأمثال يخاطب صاحب الإرادة المُطيعة، وسفر الجامعة صاحب الذهن الباحث، وسفر نشيد الأنشاد صاحب القلب المُشتاق.

ينقسم السفر لجزءين كبيرين، الجزء الأول من ص ١-٩ وموضوعه: الحكمة، والجزء الثاني من ص ١٠-٣١ وهو يتكلم عن العيشة بالحكمة وتطبيقها في الحياة.

عادةً ما تتكون الأمثال من قسمين، ويكون القسم الثاني إما في صورة توكيد للجزء الأول مثل أمثال١٩: ١١، أو تضاد لتوضيح المعنى مثل: «اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ. » (أمثال١٥: ١).

يتحدث سفر الأمثال عن كل شيء تقريبًا، فهو يتحدث عن الصداقة وأنواع الأصدقاء، والآباء والأبناء، والزوج والزوجة، والفقر والغنى، والحكمة والجهل... إلخ.

يريد لنا الرب أن نكون حكماء ويعلمنا هذا السفر الطريق إلى ذلك «بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ» (أمثال٩: ١٠).

نحن نولد بالخطية، لذا فالطبيعي أن تصدر منا الحماقة والجهالات، فالجهالة مرتبطة بقلب الولد (أمثال٢٢: ١٥)، نفكر بالحماقة (أمثال٢٤: ٩)، ونتصرف بها ونحصد نتائجها المؤلمة (أمثال١٠: ٢١؛ ١٩: ١٦).

لكن التغيير الذي يحدث فينا عندما ننال الطبيعة الإلهية هو أننا نعرف طريق الحكمة، يتساءل أيوب «فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟» ثم يجيب «هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ» (أيوب٢٨: ٢٠، ٢٨). بعد أن نعرف طريق الحكمة، نحب أن نسلك فيها.

من اللافت للنظر أن تعبير مخافة الرب يرد في الكتاب المقدس ٢١ مرة، منها ١٤ مرة في سفر الأمثال. لذا يمكن أن نسميه“سفر مخافة الرب”.

أضع أمامك هذه الأفكار عن مخافة الرب، وأرجو أن ترجع إلى الشواهد لتقرأ ماذا يقول الكتاب في سفر الأمثال عن هذا الموضوع الهام:

بركات مخافة الرب (أمثال١: ٧؛ ١٠: ٢٧؛ ١٤: ٢٦، ٢٧؛ ١٥: ١٦، ٣٣؛ ١٩: ٢٣؛ ٢٢: ٤).

كيف أتعلم مخافة الرب؟ (أمثال٢: ٥).

خطورة عدم مخافة الرب (أمثال١: ٢٩).

ما هي مخافة الرب؟ (أمثال٨: ١٣؛ ١٦: ٦).

متى أخاف الرب؟ (أمثال٢٣: ١٧).

يٌسمي البعض سفر الأمثال“الشرائع السماوية للحياة الأرضية”، ويمكنك قراءته بطريقة تقسيم الآيات إلى موضوعات. اخترت لك هذه الموضوعات التي تخصنا جدًا كشباب، وإليك الآيات التي تتحدث عنها في سفر الأمثال (مقتبسة من تفسير الكتاب المقدس للمؤمن – وليم ماكدونالد) وأشجعك أن تقرأها لترى ماذا تقول الحكمة الإلهية بشأنها:

طاعة وعصيان الوالدين (١: ٨، ٩؛ ٦: ٢٠، ٢٢؛ ١٣: ١؛ ٢٠:٢٠؛ ٣٠: ١٧).

الأصدقاء والجيران (٣: ٢٧–٢٩؛ ٦: ١–٥؛ ١١: ١٢؛ ١٢: ٢٦؛ ١٤: ٢١؛ ١٦: ٢٨؛ ١٧: ٩، ١٧؛ ١٨: ١٧، ٢٤؛ ٢١: ١٠؛ ٢٢: ٢٤، ٢٥؛ ٢٤: ١٧، ١٩؛ ٢٥: ٨، ٩، ١٧، ٢٠، ٢١، ٢٢؛ ٢٦: ١٨، ١٩؛ ٢٧: ٦، ٩، ١٠، ١٤، ١٧).

العلاقة المتبادلة (الترابط) بين الصحة الجسمية والعقلية والروحية (٣: ١، ٢، ٧، ٨، ١٦؛ ٤: ١٠، ٢٢؛ ٩: ١١؛ ١٣: ١٢؛ ١٤: ٣٠؛ ١٥: ١٣، ٣٠؛ ١٦: ٢٤؛ ١٧: ٢٢؛ ١٨: ١٤؛ ٢٧: ٩).

ربح النفوس (١١: ٣٠؛ ٢٤: ١١، ١٢).

قد يستوقفك أن سليمان الذي كتب هذه الحكمة وقدَّم هذه النصائح قد فشل في طاعة بعضها في مرحلة ما من حياته، فهو لم يحفظ نفسه من النساء الأجنبيات كما نصح في أمثال٥: ٢٠ مثلًا، ولم يكن متعففًا في الاستمتاع ببعض الملذات (جامعة ٢: ١-١٠) كما نصح في أمثال٢٥: ١٦؛ وذلك لأن الكاتب الأصلي ليس هو سليمان بل الروح القدس، وهو يقدم لنا النموذج ليس في سليمان، مع أن حياته مليئة بدروس نافعة لنا، بل فيمن قال عن نفسه «وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا!» (متى ١٢: ٤٢).

سفر الأمثال كباقي أسفار الكتاب يحدثنا عن الرب يسوع، فنجده فيه كالحكمة، كلي القدرة وصاحب السلطان ووسيط البركة (أمثال٨: ١٤-٢٠)، الأزلي (أمثال٨: ٢٢-٢٩)، والخالق (أمثال٨: ٣١)، ومعطي الحياة (أمثال٨: ٣٥، ٣٦ قارن مع يوحنا ٣: ٣٦)، هو الذي افتقر وهو غني (أمثال١٣: ٧)، والمحب الألزق من الأخ (أمثال١٨: ٢٤)، ابن الله الذي نزل من السماء ثم صعد إليها (أمثال٣٠: ٣، يوحنا ٣: ١٣).

لا تستمع يا صديقي للشيطان الذي يحاول أن يقنعك أن كلمة الله ليست ملائمة للشباب ولا لعصرنا. اقرأها بنفسك باحثًا عن الحياة فستجد فيها الدليل لأسمي أنواع الحياة. «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور ١١٩: ٩).