موسي شخص عظيم تحدث عنه الكتاب كثيراً في العهد القديم والجديد، وهو اسم يحوز إعجابنا ويحظي بتقديرنا الشديد، إذ يستحضر أمامنا الإيمان العظيم والشجاعة الروحية الفائقة والقرب المتميز من الله.
معني كلمة موسي: «منتشل من الماء»، وهو يذكرنا بحادثة إنقاذه من الموت التي استخدم الله فيها ابنة فرعون بطريقة عجيبة، وهي قصة مثيرة للغاية جاءت في خروج 2. وقد تأملنا في العدد السابق في طفولة موسي ورأينا كيف أن يد الله حركت كل شئ لإتمام خطته نحو عبده. وفي هذا العدد نتأمل في خطوات إيمان موسي عندما بلغ سن الأربعين وصار شخصاً عظيماً.
موسى والقرار العظيم عاش موسي في قصر فرعون أربعين سنة وباعتباره ابن إبنة فرعون، كانت له فرصة عظيمة للحصول علي أعلي الدرجات العلمية في أشهر جامعات العالم في ذلك الوقت، وهي جامعات مصر. من المؤكد أنه درس الحساب والجبر والهندسة والطب والعلوم الحربية، وربما أيضاً أسرار التحنيط التي لازالت لغزاً حتي الآن. يقول عنه الكتاب «فتهذب بكل حكمة المصريين وكان مقتدراً في الأقوال والأعمال » (أعمال 7: 22)، وكان من مولده جميلاً جداً. فمن كل ناحية كان شخصية غير عادية؛ شكله وثقافته وقدراته الفذة. بلا شك كانت لموسي شهرة فائقة في مصر، خاصة وأنه كان المرشح لحكم البلاد بعد فرعون. لأن ذلك الملك على الأرجح لم يكن عنده أولاد وإبنته التي تبنت موسي لم يكن لها أولاد أيضاً. فكان دوره هو للمُلك. في ذلك الوقت، إتخذ موسي قراره العظيم، «بالإيمان موسي لما كبر أبي أن يدعي إبن إبنة فرعون مفضلاً بالأحري أن يُذَل مع شعب الله علي أن يكون له تمتع وقتي بالخطية حاسباً عار المسيح غني أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلي المجازاة» (عبرانيين 11: 24-26). كان قراره يتلخص في أنه عرف أن يقول لا الإيمان الحقيقي له وجهان كقطعة النقود: وجه إيجابي وآخر سلبي وجه يقبل وآخر يرفض وجه يقول نعم وآخر يقول لا فلا يجب تقوية الواحد علي حساب الآخر أو إظهار الواحد وإخفاء الآخر فالنعم واللا يجب أن تسيرا جنباً إلي جنب ويداً بيد. وهكذا فعل موسي إذ قال نعم للرب ولا للعالم.
أ - قال لا للمركز العظيم « أبي أن يُدعَي ابن ابنة فرعون» كان في مكانة يحسده عليها الجميع. كان له شهرة وثراء وعظمة وسلطان. كان تاج مصر الذهبي بلمعانه الأخّاذ، وعصا الحكم بكل ماتحمله من قوة ونفوذ في متناول يده؛ لكنه أعطي ظهره لكل مجد العالم إذ رأي أنه ينتهي كله بالموت والتحنيط والوضع في تابوت.
ب - قال لا لملذات الخطية «مفضلاً بالأحري أن يذل ... علي أن يكون له تمتع وقتي بالخطية». ودّع موسي حياة الراحة والرفاهية ليرتبط بشعب الله الذى كان فى ذلك الوقت ذليلاً. فضّل علاقته بشعب الله المتألم علي استمراره في ارتباطه بالأميرة التي تبنته منذ طفولته، فهم مرتبطون بالله الحي الحقيقي أما هي فعلاقتها بالأوثان الميتة المزيفة. كانت فرصة التمتع بالخطية في متناول يده وهو في القصر، وعرف أن الخطية لها تمتع ، لكن الإيمان كشف أمامه أنه تمتع وقتي سرعان مايزول. وماقيمة تمتع وقتي يعقبه عذاب أبدي ؟ لكنه إختار أن يقف في صف الله ومع شعب الله. من المنطق أن يختار الإنسان مايعود عليه بالمكسب دائماً، أما هو فاختار بالإيمان لا بالمنطق. لقد اختار الإذلال مع شعب الله علي التمتع الوقتي بالخطية.
جـ - قال لا لكنوز العالم «حاسباً عار المسيح غني أعظم من خزائن مصر». كانت قصور الفراعنة في ذلك الوقت مليئة بالنقود والسبائك الذهبية بل كانت قبور الفراعنة أيضاً مليئة بالمجوهرات والتحف الثمينة النادرة. أما موسي فقد رفض كل هذه مفضلاً أن يتخذ الرب نصيبه ويخدم شعبه ولم يُخدع بغرور الغني. كثير من الأبطال في الكتاب أصبحوا أبطالاً لأنهم قالوا لا
يوسف قال لا لزوجة فوطيفار وانتصر علي شهوة الجسد.
وأليشع قال لا لهدايا نعمان السرياني وانتصر علي شهوة العيون.
وموسي قال لا لكل مافي العالم وانتصر علي تعظم المعيشة.
وآخرون قالوا لا، كدانيال ورفقائه الثلاثة ومردخاي ويوحنا المعمدان
أحبائي الشباب ، هل لنا الشجاعة الروحية لنقول مثلهم لا ؟
موسي حسب حساباً صحيحاً، حسبه بالإيمان لا بالعيان.
وضع عار المسيح في كفة وخزائن مصر في الكفة الأخري ورجحت كفة عار المسيح.
علم أنه سيخسر وقتياً ويلحق به بعض الألم والحرمان والتعيير من الناس بسبب ارتباطه بالمسيح؛ فحسب هذا غني أعظم من أعظم غني في العالم.
لأنه كان ينظر للمجازاة
تري ماهي هذه المجازاة؟ انظر إلي موسي وهو واقف علي الشاطئ الآخر من البحر الأحمر ويقود الشعب في ترنيمة النصرة في الوقت الذي فيه غرق فرعون وكل جيشه.
انظر إليه لما صعد إلي الجبل ليأخذ لوحي الشريعة من الرب، ومكث هناك أربعين نهاراً وأربعين ليلاً في حديث مستمر مع الرب ولما نزل كان جلد وجهه يلمع.
ثم انظر إليه عند موته عندما صعد إلي الجبل ودفنه الرب بنفسه، وياللإكرام. لكن انظر إليه بعد 1500 سنة وهو علي جبل التجلي مع الرب نفسه، إذ ظهر بمجد مع الرب وكان يتحدث معه. هذه هي المجازاة التي نظر إليها بالإيمان أعزائي هل نقول نعم للرب ولا لكل شئ عداه.