مثل شعبي مصري، يدعو كل واحد أن يكون له من يكبره خبرةً ليكون مرجعية له يلجأ إليه للنصح والتقييم والإرشاد والحسم.
وقد يبدو هذا المثل وقد عفا عليه الزمن وأصبح لا يناسب أيامنا التي أصبح كل صغير فيها يعتقد أنه كبير بما فيه الكفاية ويكفيه “جوجل” ليكون مرجعيته!! إلا أن الأمر ليس كذلك. فالخبرة التي تُكتسَب بالزمن والنجاح والفشل معًا، لا يمكن الاستغناء عنها. ولا تخدعنك الفكرة القائلة أن “الكبير” لم يعد له لزوم في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه، فمع أني من حقي شخصيًا أن اعترض على ذلك، إلا أني أضيف بالأولى أن حياتنا ليست التكنولوجيا فقط. ففيها الكثير والكثير مما نحتاج للخبرة فيه، كالعلاقات الإنسانية التي تشغل الجزء الأكبر من حياتنا، ومهارات الحياة، وأسرار العمل، وغيرها. والأهم الأمور الروحية. كلها تحتاج للكبير الذي يرشد.
وحين تختلط خبرة الكبير مع حماسة الصغير وطاقته وتجديده، ينتج خليطًا رائعًا متميزًا، فيعيش الشاب حياته بأسلوبه مدعومًا بحنكة الكبار. وبالطبع نحن نتكلم عن الكبير الحكيم التقي القدوة.
وفي هذا الصدد يقول الكتاب «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» (عبرانيين١٣: ١٧).و«نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيرًا جِدًّا فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ» (١تسالونيكي٥: ١٢-١٣).
كما يذكر لنا أمثلة سلبية لمن لم يفعلوا، فيقول عن رحبعام بن سليمان: «فَتَرَكَ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي أَشَارُوا بِهَا عَلَيْهِ وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَوَقَفُوا أَمَامَهُ» (١ملوك١٢: ٨)، فكانت النتيجة أن خسر ٨٣٪ من مملكته بقرار أرعن. كما فعلها الشعب حين «أَبَى الشَّعْبُ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ صَمُوئِيلَ، وَقَالُوا: لاَ بَلْ يَكُونُ عَلَيْنَا مَلِكٌ، فَنَكُونُ نَحْنُ أَيْضًا مِثْلَ سَائِرِ الشُّعُوبِ، وَيَقْضِي لَنَا مَلِكُنَا وَيَخْرُجُ أَمَامَنَا وَيُحَارِبُ حُرُوبَنَا» (١صموئيل٨: ١٩-٢٠)، ولتقرأ تاريخهم لتعرف مرارة الحصاد.
والحقيقة الأهم أن علينا أن نخضع “للكبير” الحقيقي، ربنا يسوع المسيح الذي يقدِّمه لنا الكتاب مخلصَا وربًا (فيلبي٣: ٢٠)؛ فنلجأ له للهداية ونخضع له قائدًا وسيدًا في كل خطوات الحياة.
وإذا كان المثل ينصح من لا كبير له بأن يشتري كبيرًا (يبحث عنه مهما كلفه)، فإن لفخرنا نحن المؤمنين فإن الكبير (الحقيقي) قد اشترانا بدمه الكريم!! فهو المحب الحكيم القدير الذي جاز الطريق قبلنا مجرَّبًا (عبرانيين٢: ١٨)؛ لذا فجدير بنا أن نعطيه مكانه اللائق به.