يتساءل الكثيرين كيف لنا أن نُميِز بين مَنْ هو صادق ومَنْ هو مزيف؟ مع أن كلاهما قد يتشابها في أمور كثيرة، سواء في الكلام أو حتى العبادة والخدمة! لكن الرب يسوع في عظته على الجبل أعطى المفتاح الأدق للتمييز بين هذا وذاك عندما قال: «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ».
في حديث الرب الرائع في هذا الجزء؛ حذر الرب سامعيه من الانخداع بالمظاهر الكاذبة، حيث أن الله لا يهتم بها. كما أنه حَذّر أيضًا من أولئك الذين يَدعوّن بأنهم أنبياء، لكن كذبة، بل وأوضح الرب سلوكياتهم وركز على ثمارهم الردية حتى لا ننخدع بالمظاهر والكلمات المعسولة بل نُميِّز الثمار.
أولاً: الأنبياء الكذبة من هم، وما هي خطورتهم؟
يقول الرب يسوع: «احْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلاَنِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ» (متى٧: ١٥). ترى من هم أولئك الكذبة؟ هُم أشخاص يخدعون البسطاء، يقولون: إن الرب أرسلهم، وفي الواقع هم رسل الشيطان؛ «هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ» (٢كورنثوس١١: ١٣).
وإليك بعض سماتهم:
١. كذابون: جَمَع أخاب أنبياؤه الأربع مئة وسألهم إن كان يذهب للحرب أم لا؟ فقالوا جميعهم: «اصعد فَيَدْفَعَهَا السَّيِّدُ لِيَدِ الْمَلِكِ». ومن القصة نفهم أن الشيطان دخل فيهم: «رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ» (١ملوك٢٢: ٦-٢٣).
٢. لا ينادوا بالتوبة والرجوع للرب: يصف الرب هؤلاء الكذبة إنهم يخدعوا الشعب، مُتجاهليِن نداء التوبة والرجوع للرب فيقول الرب عنهم: «كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ، قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ» (إرميا٨: ١٠-١١). فرغم شر الشعب وتحذيرات الرب بأن نبوخذ نصر سيأتي لسبيهم، لكنهم في تفاؤل كاذب يطمئنون الناس، لا سبي ولا تأديب! فيستمر الناس في خطاياهم.
٣. ولماذا يسمح الرب بوجود هؤلاء الكذبة؟ ببساطة كما يسمح الرب بالاضطهادات تمامًا؛ فكلاهما يُظهر الحقيقي من المزيف. هذا ما قاله الرب: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ» (تثنية١٣: ١-٣).
ثانيًا: احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان.
آه من الخداع تحت ستار الدين والكلمات المعسولة، فحينما تسمع كلامهم تشعر أنهم مثل الحَمَل الوديع لكن أفعالهم مثل ذئب رديء!
١. خداع البسطاء
«لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ» (رومية١٦: ١٨).
والكتاب المقدس يعطينا مثالاً واضحًا، “هيمنايس وفيلتس”، الأول معنى اسمه “ترنيمة عرس”، والثاني معنى اسمه “محبوب”. يبدو كأنهما حملان وديعان، لكن ماذا فعلا يا ترى؟ الكتاب يقول «اللَّذَانِ زَاغَا عَنِ الْحَقِّ، قَائِلَيْنِ: إِنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ» فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ» (٢تيموثاوس٢: ١٨).
٢. إبعاد النفوس عن خلاص المسيح
ماذا يفعل الذئب؟ يقول الرب يسوع: «فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا» (يوحنا١٠: ١٢). وهذا ما حذر منه الرسول بولس إخوة أفسس قائلاً لهم: »لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ... يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال٢٠: ٢٩).
ما أرعب ما عمله هذا المُضل “جيم جونس” يوم أن خدع أكثر من تسعمائة شخص، في احتفال كبير في ولاية أنديانا عام ١٩٧٨، أطلق عليه “الليلة البيضاء”. وهناك خدعهم بأن من يريد دخول الملكوت يطيع ويشرب من ذلك المشروب الذي أعده، وكان مشروبًا سامًا فماتوا جميعًا، وهكذا خطفهم للهلاك واحد من أولئك الذئاب.
ثالثًا: كيفية التمييز بين الحقيقيين - المرسلون من الله - والمزيفين؟
الإجابة البسيطة قالها المسيح: «من ثمارهم تعرفونهم».
١. إن الشجرة تُعرَف من ثمارها، حيث أنه لا يمكن أن شجرة تثمر ثمرًا غير نوعها، كما قال الرب يسوع «هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هَكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً» (متى٧: ١٧،١٦).
٢. ما هو هذا الثمر؟ هو إظهار سمات الرب يسوع في الحياة وثمر الروح أيضًا. ترى هل أولئك يقودون الناس للقداسة والتوبة والتعلّق بشخص المسيح؟ واضح هذا جدًا مع الرسول بولس، الشاهد الحقيقي للمسيح أمام فيلكس الوالي «وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ» (أعمال٢٤: ٢٥). تمامًا عكس ما فعل هذا المُضل، عليم الساحر، مع الوالي سيرجيوس «طَالِبًا أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ» (أعمال١٣: ٨).
٣. وكيف يمكن لنا أن نأتي بثمر يُمجد الله؟ إنه بالولادة الجديدة، فعندما يتغير الداخل ويصبح الشخص ابنًا لله شريكَ الطبيعة الإلهية، فحتمًا سيأتي بثمار لمجد الله. هذا ما أكده الرب يسوع المسيح عندما قال: «لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً» (متى٧: ١٨).
أخيرًا أقول: أحبائي المطلوب ثمار وليس مجرد أقوال لماذا؟ إنها دليل الإيمان فهذا ما ظهر على زكا بعد أن نال الخلاص عندما وقف دون ضغط من أحد قائلاً: «هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ» (لوقا١٩: ٨)، مما جعل الرب يسوع يؤكد أنه في ذلك اليوم حصل خلاص فعلاً لبيت زكا.
كما أن الثمار هي المحك الذي يوضح معدن الإيمان والحياة إن كانت مزيفة أم حقيقية. فكما أن الشجرة تُعرف من ثمرها هكذا الإيمان أيضًا يظهر في الثمار الواضحة. فمرة يقول المعمدان: «فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ» (متى٣: ٨)، ويقول الرسول بولس: «فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ» (رومية٦: ٢٢). وربنا يسوع المسيح أفرد حديثًا طويلاً عن الكرمة الحقيقية والأغصان وطَوَب من يأتي بثمر قائلاً: «بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلاَمِيذِي» (يوحنا١٥: ٨).
ليتنا نمتحن أنفسنا قبل غيرنا هل لنا ثمر البر في حياتنا يظهر أننا أبناء الله؟