أهلًا بك في باقي مقدمة سفر أيوب، انتهينا في العدد السابق إلى سلسلة تجارب أيوب المذكورة في الإصحاحين الأول والثاني من السفر.
في الإصحاح الثالث، وبعد صمت دام أسبوع، فتح أيوب فاه وسب يومه وتمنى أنه لم يكن قد رأى الحياة. ثم الإصحاحات من ٤ إلى ٣٧ عبارة عن حوار بين أيوب وأصحابه ومحاولة لتقديم تفسير لآلام أيوب.
أول الأصحاب هو ”أليفاز التيماني“ وتكلم أربعة إصحاحات على ثلاث مرات (ص٤؛ ٥؛ ١٥؛ ٢٢)، ورد عليه أيوب في ستة إصحاحات على ثلاث مرات (ص٦؛ ٧؛ ١٦؛ ١٧؛ ٢٣؛ ٢٤) وكان محور حديثه هو خبرته الشخصية، فهو يحاول أن يفسِّر ما حدث مع أيوب بناء على ما رآه هو وجربه واختبره في حياته (٤: ٨؛ ٥: ٣؛ ١٥: ١٧).
والثاني هو ”بلدد الشوحي“ وتكلم ثلاثة إصحاحات على ثلاث مرات (ص٨؛ ١٨؛ ٢٥) وَردّ عليه أيوب في أربعة إصحاحات على ثلاث مرات (ص٩؛ ١٠؛ ١٩؛ ٢٦) وكانت مدرسته هي مدرسة أقوال الآباء وحكمة الشيوخ (٨:٨).
والثالث هو ”صوفر النعماتي“ وتكلم إصحاحين على مرتين (١١؛ ٢٠) وردّ عليه أيوب في أربعة إصحاحات على مرتين (ص١٢–١٤؛ ٢١) وكانت مدرسته هي مدرسة ”التوبة“ فهو يستبعد تمامًا أن يكون الله قد جرّب أيوب بلا سبب، حتمًا كانت هناك آثام في حياة أيوب استدعت تأديب الله له. هذا هو رأي صوفر (١١: ٦، ١٤؛ ٢٠: ٥، ٢٩).
أما الرابع ”أليهو بن برخيئيل البوزي“ وكان أصغرهم سنًا فتكلم أخيرًا، تكلم مرة واحدة في ستة إصحاحات (٢٧–٣٢) ولم يقاطعه أيوب ولم يرد عليه بعكس ما فعل مع باقي أصحابه.
تكلم أليهو مع أيوب بالحق لكنه أظهر له النعمة، بعكس باقي الأصحاب اللذين تكلموا بالحق فقط. كانت أقوال الثلاثة الأُوَل صحيحة لكنها لم تكن تنطبق على حالة أيوب؛ لذا قال لهم في ختام كلامهم أنهم لم يعينوه وهو ضعيف ولم يقدموا له فكرًا صحيحًا يعطيه فهمًا (٢٦: ١-٤) ووصفهم أنهم «مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ» (١٦: ١) «مُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ» (١٣: ٤).
استفزازهم لهم بأقوالهم جعله يفتخر أكثر ببره وطهارة يديه (ص٢٩؛ ٣١).
سفر أيوب يعلمنا كيف نتعامل مع المتألمين والمجربين، ما لا نفعله (وهذا نراه في الأصحاب الثلاثة) وما يمكننا أن نساعد به المتألم عندما يكون وقت التكلم معه كما فعل أليهو إذ هيأ أيوب للوجود في حضرة الرب، الأمر الذي استمتع به أيوب في الإصحاحات من ٣٨–٤٢.
في أليهو يمكن أن نرى صورة جميله للرب يسوع المسيح من نواحٍ كثيرة.
لكن هناك سؤال رئيسي آخر تكرر ثلاث مرات في السفر وهو «كَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟» (٩: ٢؛ ٢٥: ٤؛ ١٥: ٤) ولم يملك أيوب وأصحابه الإجابة عن هذا السؤال. أعطى أليهو نورًا عن احتياج البشر إلى ”وسيط“ يعلن بر الله للإنسان وبوساطته يتبارك الإنسان (٣٣: ٢٣–٢٨). في العهد الجديد نجد الإجابة عن كيفية التبرير (رومية٣: ٢١–٢٦) ونجد الوسيط الذي هو الرب يسوع المسيح (١تيموثاوس٢: ٥).
يُختم السفر بحديث الرب مع أيوب وهو مقسم لجزءين، الأول من ٣٨: ١ إلى ٤٠: ٢ وفيه يقدم الرب لأيوب أسئلة كثيرة عن الخليقة ولا يستطيع أيوب الإجابة عن أي منها. وفي هذا الجزء أظهر الله لأيوب عنايته الفائقة بمخلوقاته وكان جواب أيوب في نهايته «هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي» (٤٠: ٤). قال أيوب هذا بعدما كان قبلاً مقتنعًا أنه إن أُتيحت له الفرصة ليمثل أمام الله فسوف يكون قادرًا أن يثبت لله أنه يجربه بلا سبب (٢٣: ٣، ٤).
والحديث الثاني (٤٠: ٦–٤٢: ٦) وفيه يتحدث الله عن سلطانه الفائق على المخلوقات العظيمة والمفترسة، متمثلة في لوياثان وبهيموث ويُمكن أن نرى فيهما صورة للشيطان. ويجيب أيوب في نهاية الكلام «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (٤٢: ١–٦).
لم يعط الرب جوابًا مباشرًا لأيوب لماذا كانت آلامه إنما فَهِم أيوب محدوديته أمام عظمة الله ونجاسته أمام بر الله وقداسته، فطلب من الرب أن يعلمه وتاب عن أقواله وأفكاره.
يمدح الكتاب أيوب ويعتبره مثالاً لاحتمال المشقات والأناة والصبر (يعقوب٥: ١٠، ١١).
يُختم السفر ببركة الرب لأيوب (٤٢: ٧–١٧) فأتت التعويضات الإلهية بعد المعاملات الإلهية لتعلن أن الرب كثير الرحمة ورؤوف.
بالإضافة لهذه الحقائق اللاهوتية العظيمة المقدَمة في السفر، فالسفر يرد به بعض الحقائق العلمية التي تؤكد وحيه مثل أن الأرض تسبح في الفضاء (٢٦: ٧)، البرق والمطر (٢٨: ٢٦، ٣٧: ١١؛ ٣٨: ٢٥) دورة الماء في الطبيعة (٣٧: ١٦؛ ٣٦: ٢٧، ٢٨)، ومدارات الأجرام السماوية (٣٨: ٣١، ٣٢).
يؤكد السفر على عظمة الله التي لا تُستقصى (٣٦: ٢٦؛ ٣٧: ٢٣) وإن الله أعظم من الإنسان (٣٣: ١٢) لذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يفهم كل أمور الله (٣٣: ١٣) وأن الحكمة الحقيقية – لمن يبحث عن الحكمة – هي في مخافة الرب (٢٨: ٢٨).
وفي هذا السفر نرى الرب يسوع المسيح في عدة صور، فهو ”المرسل“ ٣٣: ٢٣، ”الوسيط“ ٣٣: ٢٣ و ”المصالح“ ٩: ٣٣، ”الفدية“ ٣٣: ٢٤ و”صورة الله“ ٣٣: ٥.
أرجو أن تشجعك هذه المقدمة على قراءة السفر يا صديقي، الأمر الذي سيكون حتمًا سبب بركة لحياتك وإجابة للكثير من تساؤلاتك.