نحن نضع احتمالين في مشاكلنا: النجاح أو الفشل. وكثيرًا ما نتوقع الحلول المنطقية. لكن هل الله يفكر كما يفكر البشر؟ «لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ» (إشعياء٥٥: ٨-٩).
لكن الله في نعمته وسلطانه أيضًا يدهشنا أولاً: بعدم تحقيقه لشيء من وسائلنا المحدودة وتفكيرنا القاصر، وثانيًا بهذا الكم من التنوع والإبهار في حلول لا تخطر لنا على بال!! إن الله إلهنا يمتلك بدل الحل ألفًا: «عِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ» (مزمور٦٨: ٢٠). إليكم بعض المشاكل المستعصية وطرق الله العجيبة في حلها:
خروج الشعب من مصر
عندما خرج موسى بالشعب من مصر وجد الشعب جيش فرعون خلفهم، فاعتقدوا بحسب أفكارهم: إما أن يموتوا وهذا هو الاحتمال الأقرب، أو يعيشوا عبيدًا ثانية وتحت نير أقسى. هذا إن استخدم فرعون معهم الرحمة! وقد تكون هذه الأفكار منطقية من جهة التفكير البشري، ولكن جاء الله بحل أخر عجيب! فما هو؟
«فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. وَارْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ... فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خروج١٤ القصة كاملة).
وشق البحر لهم البحر، فعبروا في اليابسة في سلام. لا يخطر على فكر بشر هذا الحل، ولا يستطيع إنسان أن يتخيله، لكن إلهنا العظيم لا تقف أمامه أعتى السدود أو أصعب الموانع.
الفتية الثلاثة وأتون النار المحمّى
كانت الأمانة طريقهم وقد وضعوا في قلوبهم تنفيذ وصية غالية قد تربوا عليها في بلادهم البعيدة «لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».
وصار صوت التهديد قويًا من ملك لا يرحم: «تَعَمُّدًا يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ لاَ تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلاَ تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُ! فَإِنْ كُنْتُمُ الآنَ مُسْتَعِدِّينَ... أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِلتِّمْثَالِ الَّذِي عَمِلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟ فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ وَقَالُوا لِلمَلِكِ: يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ"» (دانيال٣ القصة كاملة).
إن التفكير المنطقي لحل هذه المعضلة يكمن في ثلاثة حلول: أن يموت الملك وينتهي الأمر، أو تأتي الرياح بأمطار تطفئ النار، وثالثهم أن يضطر الفتية للخضوع كونهم مسبيين وغرباء ولا حيلة لهم. لكن هل هذا هو طريق الله لا! الرب يدهشنا دائمًا.
«حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعًا فَأَجَابَ وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ: أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟... هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ... يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا» (دانيال٣ القصة كاملة).
أليس هذا عجيبًا. الرب يأتي إلى الأتون، يحل قيودهم ويسير معهم ويخرجهم بكرامة جزيلة. هذا هو إلهنا الذي نعبده.
مرض لعازر
أرسلت مرثا ومريم رسالة منطقية جدًا للرب يسوع «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» وتوقعتا إسراع السيد في المجيء وعمل اللازم، فهما تعلمان كم كان يسوع يحبهما ويحب أخيهما! ولو فحصنا أفكار الأختين لانحصر الحل في شيئين لا ثالث لهما! إما أن يأتي المسيح ويشفيه أو أن يتأخر الرب ويموت لعازر المحبوب.
ولكن السيد المسيح أتى في توقيته هو والذي اعتبره الجميع متأخرًا جدًا. لقد أنتن الميت إذ له ٤ أيام في القبر! لكن للرب طريق آخر ومعه حل ثالث! أن يعود لعازر للحياة بعد ٤ أيام موت. ما أمجد الرب إلهنا وما أعظم قدرته!
«قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟ فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا... صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ» (يوحنا١١: ٤٠-٤٤). يا للمجد!!
اشباع الجموع بخمسة خبزات وسمكتين
سارت الجموع وراء الرب، وشعر التلاميذ إنهم جوعى، لكن المكان بعيدًا عن القرى، ولا يوجد إمكانات ولا أموال ولا وقت لشراء طعام، والعدد يفوق عشرة آلاف إذا ما أضيفت النساء والأطفال. ويبدو وكأن الرب لا يفكر في هذا الموضوع مما دعا التلاميذ إلى تنبيه الرب «الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ الْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَامًا» (متى١٤: ١٥). وأعتقد أن التلاميذ حصروا أفكارهم في أمرين لا ثالث لهما الأول أن يصرف الرب الجموع تنفيذا لنصيحتهم. أو يدبر الرب مائتي دينار للذهاب إلى أقرب قرية لشراء طعام ليأخذ كل إنسان النذر اليسير من الخبر ليسنده حتى الرجوع إلى بيته. إما المسيح فقد قال قولاً عجيبًا: «لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا» (متى١٤: ١٦).
تعجب التلاميذ من رد السيد، وكأنهم يقولون في نفوسهم ما هذا؟ ألا يعلم السيد بضيق ذات اليد!
فأجابوا مؤكدين على ضعف الإمكانات: «لَيْسَ عِنْدَنَا ههُنَا إِلاَّ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ». وهذا ما كان يكفي لإطعام هذا الصبي الصغير الذي أتى بها. الحل الأخير للقادر على كل شيء كان هكذا فَقَالَ: «ائْتُوني بِهَا إِلَى هُنَا... ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ. فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً» (القصة كاملة في متى١٤؛ مرقس٦؛ لوقا٩، يوحنا٦).
أطعم الكل من خمس خبزات وسمكتين... أليس هذا هو سيدنا؟
وأنت.. مهما احتار ذهنك للخروج من ضيقتك. مهما كانت أفكارك المنطقية تقودك إلى اليأس أحيانًا كثيرة. أليس في كلمة الله تأكيد وترسيخ لعظمة قدرة إلهنا السرمدية وحكمته؟
يا صديقي. اطمئن ولا تقلق، لا تحصر نفسك بين خيارين! فالله دائمًا عنده لك حل ثالث. وأحيانًا حلولاً أخرى كثيرة وعجيبة لا يمكن أن تخطر على بال بشر. فكما يقول كاتب رسالة رومية: «يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟» (رومية١١: ٣٣-٣٤).
فماذا إذا نفعل عندما تضيق بنا السبل؟
«انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ» (مزمور٢٧: ١٤).