كان من مظاهر حكمة سليمان أنه تكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ١٠٠٥، ومن بين هذه النشائد تسمى هذا النشيد بـ“نشيد الأنشاد” أي الأسمى بينهم.
كاتب السفر: سليمان (١:١) ويتكرر اسمه في السفر ٧ مرات. ويعتقد الكثيرون أن سليمان كتب سفر النشيد في بداية حياته وهو في أوج محبته للرب كما كتب سفر الأمثال بعد ذلك، وفي شيخوخته كتب سفر الجامعة. والتقليد اليهودي يذكر ذلك. كُتب سفر الأمثال لصاحب الإرادة المُطيعة، وسفر الجامعة لصاحب الذهن الباحث، أما سفر نشيد الأنشاد فكُتب لصاحب القلب المُحب.
موضوع السفر: من الممكن أن نعرفه من ملاحظة أكثر الكلمات تكرارًا في السفر وهي: “حُبْ” ومرادفاتها وتكررت ٦٦ مرة، لذا فموضوع السفر هو “المحبة”.
أحب الملك سليمان فتاة بسيطة اسمها “شولميث” (٦: ١٣)، ومعنى اسمها كاملة أو مسالمة. ويُعتقد أنها كانت زوجة سليمان الأولى، وآخرون يرون أنها كانت متزوجة من راعي تحبه ويحبها، وسليمان أراد أن يلاطفها ويتخذها زوجةً إلا أنها ظلت وفية ومخلصة لحبيبها الراعي. لكننا سنسير في خط التفسير الأول وهو الأكثر شيوعًا.
السفر عبارة عن حوار بين حبيب وحبيبته، ونرى في السفر كيف يتحدث العريس إلى عروسه وكيف يتحدث عنها وهي كذلك.
وصف العريس للعروس نجده في: ١: ٩-١٠؛ ٢: ١٤،٢، ١٥؛ ٤: ١-٥، ١١-١٥؛ ٦: ٤-٧؛ ٧: ١-٨.
وصف العروس لنفسها: راجع ١: ٥-٦؛ ٢: ١، لعلك لاحظت كيف تغيرت نظرتها لنفسها بعدما رأت نفسها بعينيه وليس فقط بعينيها.
وصف العروس للعريس: ١: ١٦؛ ٢: ٣؛ ٥: ١٠-١٦.
هذه الأوصاف، وإن كانت حسية مادية في ظاهرها، لكنها تعبِّر عن مواصفات أدبية وروحية، وهذا شائع ومقبول في لغة الأدب لتوضيح المعنى وتقريبه لذهن ووجدان القارئ. فهو مثلاً يتكلم عن الرِجلين عندما يريد أن يصف السلوك، والشفتين عندما يصف الكلام، وهكذا.
من الواضح أن وصفه لها وافتتانه بها يفوق وصفها ومحبتها له، كمًّا ونوعًا، هكذا محبة الرب لنا أعظم بكثير من محبتنا له، أو كما قال المرنم: حبي إزاء حبك لا شيء يا حبيب.
وصف الأصدقاء للعروس: ٣: ٦؛ ٦: ١٠، والأصدقاء هم المحيطين بنا والذين تتوقف صورتنا عندهم على مدى قربنا وشركتنا مع الرب. كما أن محبتنا للرب تشجعهم على السعي لمعرفته (٥: ٩).
لا يذكر السفر للعروس إلا خطية واحدة وهي خطية الكسل، في بعض الأحيان لم تكن مجتهدة في طلبه والشركة معه (راجع ٣: ١؛ ٥: ٢-٧)، وكانت محبتها له فاترة؛ وفي هذا الوقت ضاع فرحها وتعرَّضت للتأديب.
ولا يُختم السفر إلا وقد نَمَت الحبيبة في محبتها لحبيبها، فبعد أن قالت في بداية السفر: «حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ» (٢: ١٦)، قالت في (٦: ٣) «أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي»، ثم قالت «أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ» (٧: ١٠).
تفسير وتطبيق السفر: التفسير هو ماذا يعني النص في معناه المباشر؟ أما التطبيق فيعني ما هي اتجاهات علاقة النص بمن يقرأه؟ وبناءً على هذه الملاحظة، فتفسير سفر النشيد هو أنه يصور أولاً علاقة حبيب بحبيبته وهو بذلك يتحدث للأزواج.
أما من جهة التطبيقات فيمكن أن نرى فيه علاقة الرب بشعبه الأرضي، حيث لم تكن الكنيسة، الشعب السماوي، مُعلَنة في العهد القديم. وبه بالطبع دروس أدبية عن المحبة المتبادلة بين المسيح والكنيسة. وأيضًا يُمكن أن نرى تطبيقًا روحيًا على علاقة المؤمن الشخصية بالرب.
للرب علاقة مع شعبه الأرضي وشعبه السماوي لذا يحدثنا الكتاب عن عروس أرضية وعروس سماوية. تشبيه علاقة الرب بشعبه بعلاقة زوج بزوجته أو عريس بعروسه هو تشبيه راقٍ للدلالة على عمق المحبة وقوة الارتباط. أساء الكثيرون فهم هذا الأمر وطعنوا في وحي سفر نشيد الأنشاد بزعم أنه لا يمكن تصوير علاقة الرب بشعبه بالطريقة التي يقدمها سفر نشيد الأنشاد، لكن من يقرأ الكتاب المقدس يجد هذا التشبيه شائع في العهدين، القديم والجديد (راجع: سفر هوشع وبالأخص: ٢: ١٩، ٢٠؛ ٣: ١؛ حزقيال١٦: ٨؛ ٢كورنثوس١١: ٢؛ أفسس٥: ٢٢ ٣٣؛ رؤيا١٩: ٧). وقد قبل اليهود هذا السفر باعتباره موحىً به من الله وكانوا ينشدونه وقت عيد الفصح.
الكتاب المقدس يُقدس العلاقة الزوجية (عبرانيين١٣: ٤) فالله هو الذي أسسها (تكوين٢: ٢٠–٢٥) لفرح وبركة الإنسان، وأكد الرب يسوع ذلك أثناء تجسده لما صنع أولى آياته في عُرسْ (يوحنا٢: ١-١١).
من الزاوية التدبيرية فالعروس في السفر تمثل أُمة إسرائيل التي ارتبط بها الرب وأحبها لكنها كثيرًا ما كانت تتركه ولا تبادله المحبة نفسها والآن هم تائهون وقد تم تنحيتهم جانبًا لدخول العروس السماوية، الكنيسة، ثم يرجع الرب في المستقبل للتعامل مع شعبه الأرضي وسترجع بقية منهم بتوبة حقيقية إلى الرب وسيفرح الرب بهم كفرح العريس بالعروس (إشعياء٦٢: ٥).
أقسام السفر: تكررت عبارة «أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ»، ٣ مرات في السفر (٢: ٧؛ ٣: ٥؛ ٨: ٤) وهي بذلك تقسم السفر لأربعة أقسام يُمكن أن نعطيها العناوين الآتية:
١: ٢ – ٢: ٧ بداية المحبة.
٢: ٨ - ٣: ٥ تعميق المحبة.
٣: ٦ - ٨: ٤ شركة المحبة، فتورها ثم عودتها.
٨: ٥ - ١٤ تتويج المحبة.
المسيح في سفر نشيد الأنشاد: نرى الرب يسوع المسيح في هذا السفر كالملك (١: ٤، ١٢؛ ٣: ٩، ١١) وكان سليمان رمزًا له، ونراه كالراعي (١: ٧؛ ٢: ١٦؛ ٦: ٣)، وكالعريس (٣: ١١). ويحوي السفر آيات تصف محبة المسيح التي ظهرت في الصليب بشكل رائع (٨: ٦-٧).
يصف السفر جمال المسيح الأدبي بشكل منقطع النظير والمجال هنا لا يسع للتفصيلات لكن بالإجمال هو «كُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ» (٥: ١٦).
لا توجد اقتباسات مباشرة من سفر النشيد في العهد الجديد إلا أن موضوعه، المحبة، هو موضوع الكتاب كله.
أرجو أن تحفزك هذه النبذة المختصرة على قراءة ودراسة سفر النشيد.
دُمت مستمتعًا بالشركة مع الحبيب.