قرأت في جريدة المصري اليوم (العدد رقم ٦٤٢٢)، عن أحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة ورئيس مجلس إدارة شركة آبل، الذي توفيَ عن عمر يناهز ستة وخمسين عامًا بسرطان البنكرياس، وخلف ثروة تُقدَّر بمليارات الدولارات. وقُبيل وفاته أدلى بحديث هام، هو خُلاصة خبرة حياته قال: “الثروة بالنسبة لي هي مجرد أرقام، اعتدت عليها، وهي لا تشعرني بالسعادة، ولا قيمة لها أمام الموت الوشيك. بإمكاني أن أوظِّف من يقود لي السيارة، أو من يُعِد لي الطعام، لكن لا أجد من يأخذ مكاني الدواء، أو من يحمل عني الألم والداء. سأترك ثروتي التي تعبت في جمعها، ولا يتبقى لي سوى القيمة. لذلك اجتهدوا أن تجعلوا أولادكم سعداء وليس أغنياء، وعلموهم أن السعادة بقيمة الأشياء لا بتكلفتها. فعندما يكون لديك هدف سامٍ وراقٍ في الحياة فهذه هي السعادة الحقيقة. اترك أموالك في الشمس واجلس في الظل فالمال جُعل لكي نحيا به لا لنحيا لأجله”.
المعنى الحقيقي للحياة
لم يجد الملياردير الراحل في المال معنى للحياة، لعله لم يُصغِ لصوت الحكمة وهي تُصَرِّحُ: «لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أُنَادِي وَصَوْتِي إِلَى بَنِي آدَمَ. مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال٤: ٨، ٣٥). لقد ربح الملياردير المال لكن هل ربح الحياة؟
صراخ وتصريح
نحن هنا نصرح، بل ونصرخ في أذن كل بعيد: ليتك تأتي إلى المسيح فتفوز بالحياة لأنه: «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ» (يوحنا١: ٤)، بل هو: «رَئِيسُ الْحَيَاةِ» (أعمال٣: ١٥). الذي قال: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا١٤: ٦). وأيضًا «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا١١: ٢٥). بل هو واهب ومانح الحياة «إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا٥: ٢٤).
الطريق إلى الفرح والسعادة
لم يجد هذا الغني في ملياراته الكثيرة السعادة، لأن السعادة هي نتيجة حتمية لقبول المسيح. ذات مرة تعرف عليه وزير «لِكَنْدَاكَةَ مَلِكَةِ الْحَبَشَةِ كَانَ عَلَى جَمِيعِ خَزَائِنِهَا، فَهَذَا كَانَ قَدْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ» وعند رجوعه لبلاده كان يقرأ المكتوب: «مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ»، وفهم من فِيلُبُّس المبشر أن هذه الشاة رمز للمسيح الفادي، وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ فَقَالَ الوزير: “هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟” فَقَالَ فِيلُبُّسُ: “إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ”. فَأَجَابَ وَقَالَ: “أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ” فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ فِيلُبُّسُ وَالْوزير فَعَمَّدَهُ، وَذَهَبَ وقتها فِي طَرِيقِهِ
فَرِحًا (أعمال٨).
المسيح هو المريح الحقيقي
نادى المسيح: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى١١: ٢٨، ٢٩)، وما زال ينادي على كل متعب لكي يغفر خطاياه ويريح ضميره المتعب من ثقل الذنوب والمعاصي إنه:
مريح التعابى
والناس الغلابة
هيحول الكآبة
لأغاني وأفراح
المسيح هو البديل والنائب
وجد الرجل مَنْ يقود له سيارته، ومِنْ يعِد له طعامه، لكنه لم يجد من يخفف عنه آلامه، ويحمل أوجاعه. ولا أدري كيف رجل مثقف وناجح ولم يتعرف على الشخص المكتوب عنه: «لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء٥٣: ٤-٦)، قد تكون الإجابة أنه «إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ» (٢كورثوس٤: ٣-٤).
المقام والقيمة
يبحث الملياردير عن القيمة الحقيقية، وكم نشكر الله الذي أعطانا قيمة ومقامًا: «أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ، أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (١يوحنا٣: ١-٢). فيا لها من قيمة، بل ويا له من مقام!!
لقد حزنت كثيرًا على ذلك الملياردير الغني جدًا، والذي مات فقيرًا جدًا لأنه لم يتعرف على الحكمة الأزلية التي تُنادي: «عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ» (أمثال٨: ١٨).
لقد ضاعت منه الفرصة وإلى الأبد، لكنها أمامك يا عزيزي اليوم، فلا تدعها تفلت من بين يديك وتذكر القول المكتوب: «إنْ كُنْتَ حَكِيمًا فَأَنْتَ حَكِيمٌ لِنَفْسِكَ وَإِنِ اسْتَهْزَأْتَ فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَتَحَمَّلُ» (أمثال٩: ١٢).