«لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ (الشَّيْطَان)» (٢كورنثوس٢: ١١)
إذا كان الشَّيطان لا يستطيع أن يُحطّم ويُدمر شهادة الكنيسة بهجمات من الخصوم الذين من خارج، فإنه يبحث أن يُدمّرها بواسطة إثارة الخصام والخلافات في الداخل، مُستخدمًا طرقًا عديدة لكي يُعيق عمل الله. والأصحاحات ٦-٨ من سفر أعمال الرسل تحتوي على ثلاث صور توَّضح كيف يعمل الشيطان عمله الشرير من خلال الناس والظروف، ومن الداخل والخارج.
أولاً: يُحدث الشيطان خلافًا داخل الكنيسة
«فِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ» (أعمال٦: ١). فعندما تُبتلى الكنيسة بالخصام والاغتياب، تنكسر شهادتها.
ففي الأيام الأولى للكنيسة كان من المعتاد توزيع بعض المال على الأرامل الفقيرات في الكنيسة مِمَنْ ليس لهن أية وسيلة أخرى للإعالة، ولكن بعض المؤمنين الذين كانوا يهودًا يتكلَّمون اللغة اليونانية، تذمروا لأن أراملهم لم يُعاملن معاملة أرامل العبرانيين اللواتي من أورشليم واليهودية. وهكذا كان من المحتمل أن يُحدِث انشقاقًا في الكنيسة. لكن الرُّسُلُ الاثنا عشر تعاملوا مع المشكلة بحكمة لم تُعطِ للشيطان موطئ قدم داخل الكنيسة، ولم ينتظروا حتى يتحول التَذَمُّرُ إلى صرخات احتجاج. وأدركوا أنه - مع النمو المتزايد للكنيسة – لا بد أن تُعمَل بعض الترتيبات للقيام بهذه الأمور التدبيرية. وهكذا دعا الرُّسُلُ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ (الكنيسة)، وطلبوا منهم أن ينتخبوا سبعة رجال ليتولوا هذه المهمة، واشترطوا أن يكونوا «مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ» (أعمال٦: ٣)، فقد كان مطلوبًا أن تتميز خدمتهم بالحكمة والأمانة بعيدًا عن أي لوم.
والسبعة رجال الذين تم اختيارهم كانوا يحملون أسماء تُوحي بأنهم من أصل يوناني وليس عبرانيًا، وبذلك أُحبِطت خطة الشيطان الذي يقف وراء الكواليس.
ولكن كما حرص الرُّسُلُ على علاج سبب التذمر فورًا، هكذا ليتنا نحرص على أن نُسكت كل تذمر وغيرة وعدم اكتفاء بيننا، لأنه بواسطتها يُحاول “المشتكي” أن يُكدِّر الشركة السعيدة بين أولاد الله.
ثانيًا: يُحاول العدو أن يُحوِّل الخدام والمُعلّمين عن هدفهم الأساسي في خدمة إنجيل المسيح: لقد أدرك الرُّسُلُ أن هدف الشيطان هو أن يُحوّلهم عن خدمة الكلمة إلى الخدمات الاجتماعية (خْدمَة المَوَائِدَ)، لذلك تحركوا بسرعة ليُنهوا أية احتجاجات مُحتملة
«فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ» (أعمال٦: ٢). وبذلك استمر تفرغ الرُّسُل للصلاة وخدمة الكلمة.
ويستخدم الشيطان وسيلة مُشابهة اليوم بأن يجعل خادم الرب مشغولاً جدًا ببرامج وأنشطة الكنيسة، بحيث لا يتبقى إلا وقت قليل للصلاة ودراسة الكلمة. وهذا يُسبّب قصورًا روحيًا في الكنيسة، مما يُساعد على تفاقم المشاكل.
لقد أراد الرُّسُل ألا ينشغلوا بالأمور المادية لكي يتفرغوا ويواظِبوا
«عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ» (أعمال٦: ٤). والترتيب هنا مهمٌ وجميلٌ؛ فقد ذكروا الصلاة ثم خدمة الكلمة، أي أن يُكلّموا الله عن النفوس، قبل أن يُكلّموا النفوس عن الله.
إن إسكات التذمر وسط الجماعة أوجد المناخ المناسب للنمو، ولهذا نقرأ «
وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أعمال٦: ٧).
ثالثًا: وفي كل عصر يريد الشيطان أن يفتك بشعب الله: وفي أعمال٧؛ ٨ نقرأ عن استشهاد اسْتِفَانُوس، وكان موت اسْتِفَانُوس نقطة بداية فترة اضطهاد قاسية للكنيسة. لقد كان أعداء الإنجيل مثل الذئاب الشرسة، فما أن رأوا دم اسْتِفَانُوس حتى تعطشوا إلى مزيد من الدماء. فلم يقنع قادة الدين في أورشليم بقتل اسْتِفَانُوس، لذا فقد شنوا أول حملة اضطهاد شديدة ضد المسيحيين. وفي هذه الحملة برز شاول بشكل خاص؛ لقد هاجم الكنيسة كالذئب، مُقتحمًا البيوت، ليقتنص الضحايا. وكانت نتيجة هذا الاضطهاد الوحشي أن تشتت المؤمنون، وبالتبعية أذاعوا الإنجيل حينما ذهبوا. وتلك الريح غير المرغوب فيها كان لها تأثير طيب في زرع البذار النافعة
«فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ» (أعمال٨: ٤).
ومن وجهة النظر البشرية، كان هذا اليوم يومًا أسوَّد بالنسبة للمؤمنين. أما من وجهة نظر الله، فإن هذا اليوم لم يكن أسوَّد بالمرة، فحبة الحنطة قد زُرِعَت ودُفِنت في الأرض، وبكل تأكيد ستأتي بالثمار. فلقد نثرت رياح الاضطهاد بذور الإنجيل إلى أماكن بعيدة، ومن ذا يستطيع أن يقدر اتساع مدى الحصاد.
أيها الأحباء: إننا نحتاج أن نكون على دراية بأساليب العدو ومخططاته لنحترس من هجماته. إن الشيطان ينتهز الفرص ليلعب لعبته، ليحوِّل النفوس عن الحق، ويُحطم شهادة الكنيسة. إنه قد يستخدم “غربالاً” ليُغَرْبِلها (لوقا٢٢: ٣١)، “أفكارًا” ليحتال عليها (٢كورنثوس٢: ١١)، “أشواكًا” ليخنقها (متى١٣: ٢٢)، “مكايد” ليُضلّلها (أفسس٦: ١١)، “زئير الأسد” ليُرهبها (١بطرس٥: ٨)، “التنكّر في شبه ملاك نور” ليغشّها (٢كورنثوس١١: ١٤)، و“فِخَاخًا” ليقتنصها (٢تيموثاوس٢: ٢٦).
فيا ليتنا نصحو ونسهر، ونُطيع تحريض الروح القدس:
«الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ ... فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ» (أفسس٦: ١١-١٨).
إِنَّ خَصْمَ النَّفْسِ يَشْهَرْ
وَهْوَ كَالأَسَدِ يَزْأَرْ
هَا الْمَسِيحُ الرَّبُّ قَادِمْ
لاَ تَخَافُوا مِنْ مُهَاجِمْ
|
| صَارِمَ الْقِتَالْ
يَبْتَغِي النِّزَالْ
فَاحْفَظُوا الْحُصُونْ
ظَالِمٍ خَؤُونْ |