تصادف وجود بطل العالم في الشطرنج أثناء زيارة الوفد الرياضي لأحد المتاحف، وهناك مَرَّ الجميع مرور الكرام أمام لوحة ”كِش ملك“ للفنان Moritz Retzsch، وفيها يعكس الرسام الصراع ما بين لاعبَين أمام رقعة الشطرنج، الأول ”ممثِلًا للشيطان بقرنيه“ يبدو واثقًا بغرور من انتصاره وتلمع عينيه بالخداع والمكر والشماتة لهزيمة غريمه، بينما تبدو ملامح اليأس ومحدودية الإمكانيات على اللاعب الآخر ”ممثِلًا الإنسان“ الذي حنى رأسه شاردًا في رقعة الشطرنج، إذ يبدو أنه لا مَخرج ولا مفر من الهزيمة وعليه أن يرفع الراية البيضاء.
استمر المرشد السياحي في شرحه لمختلف اللوحات المعروضة، حتى لاحظ بعد فترة ليست بالقصيرة، أن بطل الشطرنج العالمي ليس معهم، لكنه ما زال واقفًا متأملاً في اللوحة الفنية. وعند الاستفسار عن سبب عدم تحركه مع باقي الوفد، أجاب بطل العالم في الشطرنج، موضحًا ”لقد قضيت عمري كله ألعب الشطرنج، وأرى كل التفاصيل على لوحة الشطرنج والتي قد لا يلاحظها غير المحترفين“. لذا وبكل ثقة، طلب من المُرشد السياحي أن يتقدم بطلب لإدارة المتحف لتغيير اسم اللوحة من ”كِش ملك“ إلى ”حركة إضافية للملك“، فهناك شيء صادم في هذه اللوحة، هذا الشاب لم يُهزم بعد في معركته، فما زال أمام الملك حركة واحدة إضافية يمكنها أن تغيّر الموازين وتنتزع له النصر فتنقلب الصورة رأسًا على عقب، فحركة واحدة من الملك قادرة على صنع تغيير المعادلة تمامًا.
أحبائي، كثيرًا ما نشابه ذلك اللاعب الذي ظل ولفترة طويلة مهمومًا ومنهزمًا أمام نفسه والآخرين - أقصد كل زوار المتحف الذين يقفون أمام اللوحة - فلقد انحنى أمام المعطيات التي أمام عينيه وصَب كل تركيزه عليها، وللأسف لم يلحظ الحركة المتبقية للملك والقادرة على صُنع التغيير. فدعونا نتعلم من قصة بطلنا ونُثبت النظر على ملك الملوك ورب الأرباب يسوع، فهو الوحيد القادر على صنع الفرق والتغير.
حلّا أيام كانت مكسورة
|
| في الضيق والآلامات مأسورة
|
لما دخلها عدل الصورة،
|
| أصله يسوع.
|
اسمح لي يا عزيزي أن أُشاركك ببعض الأفكار من قصتنا.
مكائد الشيطان
فبطول الكتاب وعرضه، يمكننا أن نتعلم أن هنالك حربًا مستمرة ما بين إبليس مع أبناء الله، فهو يحاول بشتى الطرق مستخِدمًا مكائد وأساليب مختلفة لمضايقة المؤمنين وإذلالهم تحت قيود الشر والخطية، حتى أن الرب يسوع نفسه طلب لأجل حماية خاصة لتلميذه بطرس من سهام إبليس الملتهبة «هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!، وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ...» (لوقا٢٢: ٣١، ٣٢)، ليحفظنا الرب.
بدأت مكائد الشيطان مع الإنسان منذ بداية الخليقة، فأغوى أبوينا آدم وحواء في جنة عدن بسهم ”الخداع والتشكيك في صدق كلام الله“ «وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»، ثم سهم ”التكذيب والتضليل“ «فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا!» (تكوين٣: ١، ٤). لم يسلم لوط من سهم ”بريق العالم“ فضعفت شهادته و«كَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ» (تكوين١٩: ١٤) في حين لجأ الشيطان إلى ”اليأس والإحباط“ مع موسى «فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ... أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ» (خروج٤: ١٠-١٣). واستخدم سهم ”صغر النفس“ مع جدعون فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي» (قضاة٦: ١٥)، وحارب شمشون - نذير الرب - بسهم ”الشهوات والملذات“ «وَأَنَامَتْهُ (دليلة) عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلاً وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ، وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ، وَفَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ» (قضاة١٦: ١٩). وغيرها الكثير من المكائد والسهام التي يوجِّهها بكل عنف لإضعاف أبناء الله. لذا يشجعنا الرسول بطرس على السهر والصلاة للصمود أمام مكائد الشيطان، «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ» (١بطرس٥: ٨، ٩).
ضعف الانسان
من المحتمل أن نواجه سهام ومكائد مختلفة من إبليس في مراحل مختلفة من حياتنا، فنضعف وتنطفئ شهادتنا وخدمتنا، لكن دعونا لا نستسلم لروح الضعف والفشل، الانحناء والهزيمة، بل دعونا ننتفض من روح الهزيمة داخلنا واثقين في قوة وسلطان ملك الملوك ورب الأرباب. فالرب قارد على استرداد المسلوب وتعويضه أضعاف، دعونا نثق فيه ونُسلم له. فالفشل، اليأس والاحباط كلها مشاعر تؤدي إلى الضعف والهزيمة العامة في جوانب مختلفة في الحياة، لذا دعونا نثبت نظرنا على الرب يسوع ومنه تأتي القوة والمعونة. «لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلهِي» (المزامير٤٣: ٥).
الرب صاحب السلطان
في كثير من الأحيان، نرفع راية اليأس والفشل، ويكون لسان حالنا ”كِش ملك“، فلا يوجد أمامنا أي تحركات، خيارات أو إمكانيات متاحة، وتبدو الصورة مظلمة وقاتمة جدًا. لكن، مهلاً يا عزيزي، فالملك لديه خطوة إضافية قادرة على تغيير المسار والمعادلة تمامًا. هل تذكُر معي يا عزيزي، كيف تحولت مجاعة أكثر من خمسة ألف نسمة بمجرد خمس خبرات وسمكتين (متى٥)؟ وكيف انتهت معايرة جليات لشعب الرب على يد داود بحجر واحد من خمس حجرات مُلس؟ وكيف نجا دانيآل من جُب الأسود بعد أن قضي معهم ليلة كاملة (دانيآل٦)، بينما نجا الفتية الثلاثة من نار الآتون المُحمى سبعة أضعاف (دانيآل٣)؟ وكيف نجا بطرس من القتل في السجن (أعمال١٢)؟ وكيف حُفظ نوحًا سالمًا من خطر الطوفان الجارف (تكوين٦)؟ وكيف أنقذ المرأة التي أمسكت في ذات الفعل من الرجم بالحجارة (يوحنا٦)؟ كيف أقام يوسف ثاني رجل في مصر بعد سجنه لفترة طويلة في سجون مصر (تكوين٤١)؟ وكيف نجت سفينة التلاميذ بعد أن هدأت الأمواج وسكنت الرياح العنيفة؟
ليك الكلمة الأخيرة مهما قالوا في كلام
عالي وأيدك قديرة قلبك مليان حنان