«هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ: عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ» (أمثال٦: ١٦-١٩).
هذه الأقوال موضوع مقالنا، شديدة الأهمية؛ فالرب إلهنا حنَّان وطيب ورحيم، نعم، لكنه قدوس أيضًا. وهيبته وقداسته لا بد اعتبارهما لاسيما من أولاده مَن دُعيّ اسمه العظيم عليهم.
١. عيون متعالية
الكبرياء خطية شديدة الخطورة لذا: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (يعقوب٤: ٦)، والكبرياء فضلاً عن أنها تُغضِب الرب فإن نتائجها أيضًا رهيبة: «تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ... قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ» (أمثال١١: ٢؛ ١٦: ١٨)، ولي أكثر من مثال على نتائج الكبرياء. ففي قصة نبوخذ نصر ملك بابل المتكبر، الذي تباهى في كبرياءٍ بعظمة قوته وقال والرب سمع: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَنَيْتُهَا لِبَيْتِ الْمُلْكِ بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي، وَلِجَلاَلِ مَجْدِي؟»، فكانت عاقبته رهيبة: «فَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَأَكَلَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ حَتَّى طَالَ شَعْرُهُ مِثْلَ النُّسُورِ، وَأَظْفَارُهُ مِثْلَ الطُّيُورِ» يا له من عقاب! لكن أخيرًا عندما اتضع أمام الله قال قولته الشهيرة: «فَالآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ، الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ» (دانيآل٤: ٣٠–٣٧).
يحفظنا الرب من خطية الكبرياء بأن نتعلم الرب يسوع «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى١١: ٢٩).
٢. اللسان الكاذب
ليس هناك ما هو أسوأ من الكذب. قال الكتاب بوضوح: «وَلكِنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ كَذِبًا، وَالْقَدِيرُ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ» (أيوب٣٥: ١٣)، «زَاغَ الأَشْرَارُ مِنَ الرَّحِمِ. ضَلُّوا مِنَ الْبَطنِ، مُتَكَلِّمِينَ كَذِبًا» (مزمور٥٨: ٣)، وأيضًا «كَرَاهَةُ الرَّبِّ شَفَتَا كَذِبٍ، أَمَّا الْعَامِلُونَ بِالصِّدْقِ فَرِضَاهُ» (أمثال١٢: ٢٢)، ثم يختم الكتاب المقدس في سفر الرؤيا تحذيره من الكذب بالقول عن السماء «وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا... لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا» (رؤيا٢١: ٢٧؛ ٢٢: ١٥).
ليس هناك من مثال أوضح على خطورة الكذب مثل ما حدث لجيحزي غلام أليشع رجل الله كما ورد في ٢ملوك٥: ٢٠-٢٧؛ لقد طمِعَ أن يأخذ عطايا من يد نعمان «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا». ثم كذب على أليشع عندما سأله: «مِنْ أَيْنَ يَا جِيحْزِي؟» فَقَالَ: «لَمْ يَذْهَبْ عَبْدُكَ إِلَى هُنَا أَوْ هناك». وكانت النتيجة الحتمية لكذبه على أليشع رجل الله هذه اللعنة الرهيبة؛ فَقَالَ لَهُ (أليشع): «أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي حِينَ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِلِقَائِكَ؟... فَبَرَصُ نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ». فَخَرَجَ مِنْ أَمَامِهِ أَبْرَصَ كَالثَّلْجِ».
ليحفظنا الرب من الكذب وعدم الوضوح للحقائق. فهذه كلها يبغضها الرب وتأتي بنتائج رهيبة على حياتنا الروحية وحتى الجسدية.
٣. أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا
يقول الكتاب: «سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ» (تكوين٩: ٦)، «لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرْضَ. وَعَنِ الأَرْضِ لاَ يُكَفَّرُ لأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ فِيهَا، إِلاَّ بِدَمِ سَافِكِهِ» (عدد٣٥: ٣٣). قاسٍ جدًا أن يقتل الإنسان إنسانًا بريئًا، وما أقسى النتائج. ولعل المثال الأول والأقسى ما فعله قايين بأخيه هابيل في أول جريمة قتل سجَّلها الوحي على سطح البسيطة؛ سُجلّت بفعل إنسان لا بفعل وحش من الضواري!! «وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ». وإذ تكلم الرب إلى قايين بقولٍ قاسٍ فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ. مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ» (تكوين٤: ٨-١٢).
إنها نهاية مأساوية بلا شك لكن هل القتل هو قتل الجسد بسيف أو رمح أو حتى سُم؟ ألا يمكن قتل الإنسان بالكلمات الجارحة والإساءة إلى سُمعة وكرامة الآخرين، ليحفظ الرب ألسنتنا وقلوبنا من أن تقترف قتلاً. قال عنه كاتب سفر الأمثال: «اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ» (أمثال١٨: ٢١)، ويقول يعقوب الرسول: «وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا» (يعقوب٣: ٨)، إذً فبعض الأقوال كالسُم المميت فلنتحذر.
٤. قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً
تقول كلمة الله: «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أمثال٤: ٢٣)، والقلب الملوث بالخطية يُنشئ كل رديء كما قال الرب في مرقس٧: ٢١ «لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ»، مشيرًا لخطورة أفكار القلب. من أجل هذا كانت صلاة كاتب المزامير: «لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي» (مزمور١٩: ١٤).
كان قلب هامان بن همداثا يبغض شعب الله فاحتال ليهلكهم. اتضح شر قلبه من الكلمات التي بثها بخبث في أذني الملك «مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِكَ، وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ، فَلاَ يَلِيقُ بِالْمَلِكِ تَرْكُهُمْ» (أَسْتِيرُ٣: ٨). ثم تفكّر بالشر هو وأسرته للتخلص من مردخاى «فَقَالَتْ لَهُ زَرَشُ زَوْجَتُهُ وَكُلُّ أَحِبَّائِهِ: ”فَلْيَعْمَلُوا خَشَبَةً ارْتِفَاعُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَفِي الصَّبَاحِ قُلْ لِلْمَلِكِ أَنْ يَصْلِبُوا مُرْدَخَايَ عَلَيْهَا، ثُمَّ ادْخُلْ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَرِحًا“. فَحَسُنَ الْكَلاَمُ عِنْدَ هَامَانَ وَعَمِلَ الْخَشَبَةَ» (أَسْتِيرُ٥: ١٤).
لكن نرى يده الحافظة وتدبيره المُحكَم في رد شر هامان على رأسه وصلبه على الخشبة التي أعدها لمردخاي التقي، ونجا الرب شعبه باقتدار وأكرم شاهده الأمين مردخاي كأفضل ما يكون الإكرام.
يبقى أن نعرف ونعي أن الرب إلهنا قدوس لا يُسر بأفكار القلب الشرير ويتدخل في الوقت المناسب لعقاب الأشرار إذا لم يتوبوا وينقذ أولاده من المؤامرات الظاهرة والخفية. ليحفظنا الرب من الأفكار الرديئة والقلب المنحرف ولا شيء يصوننا من هذا إلا الصلاة وفحص القلب ودوافعه في محضر نور كلمة الله (يوحنا١٥: ٣).
ولحديثنا بقية.