في سن الشباب نتعلق بأشخاص أكبر سنًا، وأكثر خبرة. نرى فيهم قدوة لنا، وأمثلة حية لما نريد أن نكون عليه في يوم من الأيام. وكثيرًا ما نتمنى أن نقضي معهم أوقاتًا طويلة؛ نراقبهم، ونلاحظ تصرفاتهم، ونصغي لهم لنعرف كيف نتصرف ونسلك كما يفعلون. لذلك دعني أسألك: لو كنت شابًا مؤمنًا تعيش في زمن سفر أعمال الرسل، مَن مِن الأبطال كنت تتمنى أن تلتقي به. وتخدم إلى جواره؟ أو على الأقل تجلس معه وتسمع نصائحه لك!
بالنسبة لي كنت أتمنى أن ألتقي بالرسول بطرس وأسأله عن سيدي وحبيبي المسيح. كما أتمنى أن ألتقي بالرسول بولس وأطلب منه حديثًا خاصًا يحكي فيه عن خُلاصه تجاربه، وأهم النصائح التي يريد للشباب أن يعيشوا بها.
واليوم قارئي العزيز دعني أشاركك بما قاله بولس الرسول بالفعل لشاب اسمه تيموثاوس، راجيًا أن تكون لهذه الكلمات تأثيرًا عميقًا في حياتك.
١- لا تنشغل بكونك صغيرًا، وكُن قدوة
هذه واحدة من أجمل النصائح التي قالها بولس الرسول لتلميذه المحبوب تيموثاوس، والذي كان يخدم معه كابن مع أبيه. قال بولس: «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (١تيموثاوس٤: ١٢).
بولس كان يعلم جيدًا أنه لو نجح الشيطان في أن يجعل تيموثاوس ينظر لنفسه نظرة متدنية؛ فقد نجح بهذا في تعطيل نمو وتقدم هذا الشاب الرائع، بل وتعطيل خدمته كلها. فموسى لما رأى نفسه صغيرًا، وثقيل الفم اعتذر عن دعوة الله له بالنزول إلى مصر، وإنقاذ شعبه. حتى شفاه الرب من صغر النفس، والخوف. وهكذا الكثير من رجال الله مثل يشوع وجدعون.
لذلك نصح الرسول بولس تلميذه تيموثاوس بهذه النصيحة الغالية. ولهذه النصيحة جانب سلبي، وآخر إيجابي: الجانب السلبي ألا يدع أحدًا يستهين به، أو يهزأ بما يفعله فيصيبه بصغر النفس ويملأه الشعور بالدونية وعدم الاستحقاق.
والجانب الإيجابي للنصيحة هو أن يكون قدوة للمؤمنين. فمن يعرف قيمته في المسيح، ويُدرك عظمة نعمة الله التي تعمل فيه، ويتمتع بقيادة الروح القدس يوميًا. سيدرك تمامًا أن له تأثيرً عميقًا في حياة كل من يلتقي به. لذلك يدعو الرسول بولس تلميذه أن يهتم بحياته؛ ويضع نفسه في موضع القدوة في كل شيء.
في الكلام: فلا يُشارك في كلام الهزل، والسفاهة. بل يتكلم بما يليق. مقدِّمًا نفسه قدوة في كل كلمة تخرج من فمه.
في التصرف: كلمة جميلة، ربما تعبِّر عن الحكمة في المواقف المختلفة. والاهتمام بالسلوك والتصرف الحسن.
في المحبة: القلب الممتلئ بالمحبة له تأثير عظيم في قلب كل من يلتقي به. الناس يحتاجون إلى الحب، ويشتاقون لنظرات القبول، والمحبة، والتقدير. وكم يكون المُحِب شخصًا مؤثرًا.
في الروح: أهم ما يُميز المؤمن أنه لا يتصرف من ذاته، بل يتحرك بقيادة الروح القدس الساكن فيه. وكم يكون لهذا الأمر تأثيرًا عميقًا ودائمًا في حياة كل من يتعاملون مع هذا النوع الرائع من المؤمنين.
في الإيمان: الإيمان غير مرتبط بالسن؛ فهل ننسى إيمان الفتاة المسبية، وإيمان دانيآل والفتية الثلاثة، وغيرهم كثيرون ممن أعلنوا إيمانهم العظيم في الإله القدير. ليتنا نتمسك بكلمة الله ونؤمن بها، ونثق في إلهنا ونحيا بالإيمان وسط ظلام العالم فنترك تأثيرًا عظيمًا في حياة الآخرين.
في الطهارة: وما أروع أن يُقدِّم شابًا صغيرًا نفسه قدوة في الطهارة. فمَن مثل يوسف الذي ترك أثرًا عظيمًا في كل من عرف قصته. ومن مثل دانيآل والفتية الثلاثة الذين رفضوا أن يتنجسوا بأطايب الملك. وقد ازداد لمعان وتأثير حياتهم بسبب أنهم كانوا فتيانًا صغارًا.
٢- اعكف على الممارسات الصحيحة
«إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ» (١تيموثاوس٤: ١٣)
جاءت النصيحة التالية من بولس لتلميذه تيموثاوس في غاية الأهمية؛ فقد طلب منه أن يعكف على القراءة والوعظ والتعليم. وكلمة ”اعكف“ تأتي بمعنى المواظبة والإعداد الجيد المُسبق وعلى انفراد. فالمؤمن لا بد أن يواظب على القراءة في الكلمة المقدسة على انفراد، فالكتاب المقدس يجعل المؤمن كاملاً وجاهزًا لكل عمل صالح، كما قال بولس الرسول لتيموثاوس في الرسالة الثانية: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تيموثاوس٣: ١٦). طلب بولس من تيموثاوس أن يعكف على ثلاثة أمور:
القراءة: القراءة هنا تخص كلمة الله - الكتاب المقدس- فكما سبق وذكرنا أن الرسول بولس أعلن عن ذلك في الرسالة الثانية حيث أكد لتيموثاوس أن الكتاب المقدس نافع لكل شيء. والمواظبة على قراءته والتأمل فيه تجعل المؤمن كاملاً.
الوعظ: المقصود به التشجيع، والتحريض. فالمؤمن الذي يتمتع بعلاقة شخصية ومستمرة مع كلمة الله قادر على تشجيع إخوته وتقديم النصح والإرشاد لهم، والتحريض على كل ما هو إيجابي لحياة صحيحة بحسب مشيئة الله.
التعليم: لا يمكن للمؤمن أن يُقدِّم تعليمًا إلا إذا تعلّم هو أولاً من كلمة الله. لهذا جاءت نصيحة بولس بالمواظبة على القراءة قبل التعليم. فلا بد لتيموثاوس أن يتعلم لكي يكون قادرًا على تقديم تعليمًا صحيحًا ومفصِلاً كلمة الحق بالاستقامة (٢تيموثاوس٢: ١٥).
المواظبة على القراءة، والوعظ، والتعليم واحدة من أهم النصائح التي تعطي تقدمًا ونموًا في حياة المؤمن. وتصنع منه خادمًا حقيقيًا مؤثرًا ومثمرًا لمجد السيد.
للحديث بقية في نصائح بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس نستكملها في العدد القادم بنعمة الله.