كانت مفاجأة غير سارة لي بالمرة صباح يوم السبت ١٧/ ٩/ ٢٠٢٢ أثناء ذهابي للعمل، وبسبب استعجالي ولأهمية الموعد، لم أنتبه إلى مستوى البنزين في السيارة، وبمجرد سيري كيلومترات قليلة في مشواري الطويل، أنارت “لمبة البنزين” منذرة بانخفاض مستوى البنزين. ولضيق الوقت، قررت المغامرة بما تبقي لي من قليل البنزين، على أمل وصولي في الموعد المحدد، وبعدها أفكر في كيفية إعادة ملء السيارة بالبنزين لاحقًا بعد الانتهاء من العمل.
بالفعل، أشكر الله، وصلت بسلام إلى مقر عملي، كان يومًا مُزدحمًا جدًا في العمل، لم أشعر بالوقت من سرعة سير الأحداث فيه. وكم تمنيت فعلاً أن ينتهي دوام العمل سريعًا، وتحققت أُمنيتي بصورة عجيبة إذ قامت عاصفة جوية شديدة أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي في المدينة كلها مما أدى إلى شلل تام في كل أركان الحياة في تلك البلد.
مرت حوالي ساعة، تم إخطارنا إنه من المتوقع عودة الكهرباء بعد حوالي ١٠ ساعات؛ فقررنا العودة إلى منازلنا لعدم جدوى بقائنا!
وبالفعل لملمت كل مُتعلقاتي وذهبت إلى سيارتي قاصدًا العودة إلى المنزل - على بُعد حوالي ٦٠ كيلو متر - في أسرع وقت ممكن.
وبمجرد تشغيلي للسيارة، أضاءت “لمبة البنزين” وأصدرت السيارة جرس الإنذار، وكأنها تريد أن تصرخ في وجهي تطالبني بملئها بالوقود. بحثت عن أقرب محطة بنزين وبالفعل كان هناك اثنان على بُعد حوالي ٢ كيلو من مكاني. قررت الذهاب إلى أي منهما، لكنني صُدمت بعد ان أخبروني إنهم خارج الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء ولا يستطيعون مساعدة العملاء! وعندها كان ندمي شديدًا جدًا على عدم ترتيب أولويات وقتي، أدركت إنه لا يوجد أي شيء أستطيع القيام به سوى الانتظار لفترة أطول كثيرًا في الشارع بلا أي فائدة في انتظار عودة الكهرباء لملء السيارة بالبنزين من جديد ثم العودة إلى المنزل، كم تمنيت لو كنت رتبت وقتي جيدًا من بداية اليوم ولم أتجاهل تحذير “لمبة البنزين” والتي بسببها أضعت وقتًا طويلاً جدًا بلا فائدة إذ لا حول ولا قوة لي.
أصدقائي، إنني فعلاً اعتبرت هذا واحدًا من أهم دروس العمر بالنسبة لي، لذا أحببت أن أشاركه معكم:
لا تتجاهل التحذيرات
لقد أرسلت السيارة تحذيرًا لي بنفاذ كمية الوقود في السيارة من خلال “لمبة البنزين” لكنني تجاهلته وعاندت، فكانت النتائج سيئة بالنسبة لي. ومنها تعلمت أن الله قد يسمح بإرسال بعض الرسائل لتحذيرنا وإنذارانا، ويا لسعد وذكاء من يسمع متجاوبًا مع تلك التحذيرات وما أصعب النتائج الوخيمة على من يتجاهلها «اَلذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى، وَالْحَمْقَى يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ» (الأمثال٢٢: ٣).
قد تأتي تحذيرات الله بصور متعددة، وقد تكون موجَّهة لأفراد بعينهم أو حتى لمجتمعات عامة أو خاصة، والله في سلطانه ومحبته للإنسان لا يحرم أي أحد من تحذيراته لخيرهم وفائدتهم لعلهم يتحذرون، لكن يتبقى الدور على الإنسان في كيفية التعامل مع تلك التحذيرات.
الله بيتكلم ليّ وليك... بصوت وصورة من حواليك... قُله يعطيك قلب حساس.
فقد حذر الله سكان العالم قديما بالطوفان وأرسل نوح كارزًا، لكن قليلين الذين تجاوبوا معه، على جانب آخر حذر نينوى بالهلاك بعد ٤٠ يومًا من خلال يونان، لكن تجاوبهم كان مُذهلاً بالتوبة والرجوع إلى الله من كبيرهم لصغيرهم. أرسل الله إنذارًا لسجان فيلبي بزلزلة أساسات السجن فتاب هو وأهل بيته، في حين إنه حذر بيلاطس من إصدار قرار صلب المسيح إذ أزعج نوم زوجته من خلال حلم «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ» (متى٢٧: ١٩)، لكنه تجاهل تحذيرها وارتكب أبشع جريمة في التاريخ إذ أمر بصلب المسيح. قد تختلف أساليب الله معنا لتحذيرنا وإنذارانا، «لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ» (أيوب٣٣: ١٤، ١٥). ليساعدنا الرب ليكون لدينا القلب والذهن الحساس لسماع صوته والتفاعل معه.
استعد في كل الأوقات
أحبائي، أعتقد أنه من المهم جدًا أن نستعد في كل الأوقات، فالحياة مليئة بالتقلبات والتغيرات وما قد يخفف من حدّتها علينا هو كيفية استعدادنا للمتغيرات التي نواجها.
والكتاب يعلمنا ويشجعنا أن نكون دائمًا مستعدين في كل مجالات الحياة، فيوسف مثلاً بحكمة استعد لسنوات الجوع بعد سبع سنوات من الشبع، وباستعداده هذا كان المُخلِّص لكل أرض مصر وللعالم أجمع. العذارى الحكيمات اِستَعدَدنَ بوضع الزيت في مصابيحهن فتمتعن برؤية العريس «وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ... وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ» (متى٢٥: ٤، ٨-١٠). إنني أريد أن أهمس في أُذني قارئي العزيز أن يكون مستعدًا دائمًا: فإذا كنت مؤمنًا بكفاية عمل المسيح واختبرت خلاصه، عليك أن تستعد دائمًا لمجاوبة كل من حولك، «بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْف» (١بطرس٣: ١٥)، أما إذا كنت لم تختبر خلاص المسيح، ففضلاً «اسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلهِكَ» (عاموس٤: ١٢)، فبعدم استعدادك لذلك اللقاء المصيري أنت تغامر بأبديتك.
ترتيب الأولويات
فمع سرعة إيقاع الحياة، كثيرًا ما تغيب عن عيوننا أولويات مهمة في حياتنا، لقد تعلمت من نفاذ كمية الوقود في سيارتي، إنه ليس بالضرورة أن تكون مفاتيح الأمور في يديك حينما تريدها، فقد ذهبت فعليًا إلى محطة البنزين حيث البنزين في المضخات، ولكن لا توجد كهرباء، فما فائدة كل ذلك! بالنقيض تمامًا إذا كان عندي أولوية ملء خزان الوقود بمجرد رؤية “لمبة البنزين” مضاءة لكان اختلف الوضع تمامًا.
أصدقائي، أنه لشيء قيم جدًا أن نعيد ترتيب أولويات حياتنا، لماذا نعيش؟ لمن نعيش؟ كيف نعيش؟ فالرب يريد أن يكون أولًا في كل شيء «أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي. عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ» (الأمثال٨: ١٧، ١٨).
باختارك تكون الأول
|
| وقبل أي شيء
|
علشان أنت الحياة والحق
|
| وأنت هو الطريق
|