نستكمل حديثنا عن هذه الأقوال شديدة الأهمية:
«هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ: عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ» (أمثال٦: ١٦-١٩).
٥. أرجل سريعة الجريان إلى السوء
العجَلَة والتسرع كلاهما نتائجه أليمة حتى في الكلام «أَرَأَيْتَ إِنْسَانًا عَجُولاً فِي كَلاَمِهِ؟ الرَّجَاءُ بِالْجَاهِلِ أَكْثَرُ مِنَ الرَّجَاءِ بِهِ» (أمثال٢٩: ٢٠)؛ فما بالنا إذا كان التسرع في عمل الشر وإتيان السوء. وفي هذا السياق ضلَّ شعب إسرائيل سريعًا وزاغوا وفسدوا بعدما أخرجهم الرب من أرض مصر بيد رفيعة وذراع ممدودة، وصنعوا لأنفسهم عجلاً مسبوكًا لمجرد أن تأخر موسى عنهم في النزول من محضر الله على جبل سيناء. كما يقول الوحي المقدس: «زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: “هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مصر”. قال الرَّبُّ لِمُوسَى: “رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا”» (خروج٣٢: ٨-١٠). وفي هذا حمقوا جدًا، حتى استدعوا غضب الله سريعًا ولولا تشفع موسى لأجلهم لهلكوا بنار قداسة الرب الذي يغار على مجده. «فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ: لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟».
ما أقسى أن ينحرف شعب بأكمله ويرجع من خلف الرب. لكن أيضًا هذا تحذير لنا لنراقب طرقنا ونسأل من الرب الإرشاد في كل خطوة حتى في الخدمة والعبادة. لا نتسرع بفعل أفكار الجسد الذي فينا، بل لنكن خاضعين لروح الله القدوس من أجل سلوك ومسلك آمن بحسب قيادة روح الله وبتوافق كامل مع كلمة الله المعصومة من الخطإ.
٦. شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ
ما أخطر الكلمات التي نتكلم بها إن كانت تنقصها الدقة. وأما أن يعوج الكلام في مشهد قضائي فيُحكم على بريء بالموت أو السجن فهذا جُرم وشر مميت. قال الكتاب: «لاَ تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا، وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ» (خروج٢٣: ١)، وأيضًا «وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَسَمِعَ صَوْتَ حَلْفٍ وَهُوَ شَاهِدٌ يُبْصِرُ أَوْ يَعْرِفُ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ حَمَلَ ذَنْبَهُ» (لاويين٥: ١). من أجل خطورة هذا الأمر شدَّد الكتاب على أهمية الشهادة المُعتَد بها «لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَّا أَوْ خَطِيَّةٍ مَّا مِنْ جَمِيعِ الْخَطَايَا الَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ» (تثنية١٩: ١٥).
أما أردأ ما كُتب عن شهود الزور ما سجلّه الوحي في أحداث ما قبل الصليب حيث تجلى شر الإنسان الذي تفتق ذهنهم الرديء عن ادعاءات فاسدة لكي يدينوا السيد الوحيد الذي أحبهم. «وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ وَقَالاَ: “هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ”» (متى٢٦: ٥٩-٦١). ومع أن السيد كان مُسلَّمًا لهم بمشورة الله المحتومة (أعمال٢: ٢٣)، إلا أن مشاهد الصليب بيَّنت كيف ذهب الإنسان في غبائه بعيدًا حتى أنه شهد زورًا وبهتانًا على من لم يصنع شيئًا ليس في محله. ما أقسى هذا وما أضلّ قلوب البشر عندما تبتعد عن نور كلمة الله وسلطان روح الله. ليحفظ الرب ألسنتنا وكلماتنا.
٧. زَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ
أما هذه الأخيرة فيقول عنها الكتاب تحديد إنها “مكرهة نفس الرب”. يا لها من كلمة خطيرة تعطينا انتباهًا أحرى. وصية السيد العظمى: «هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ» (يوحنا١٥: ١٢).
ويشدد الرسول بطرس على هذا بالقول: «طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (١بطرس١: ٢٢)، ويقول يوحنا الرسول أيضًا «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ» (١يوحنا٣: ١٤). ولا شك فإن المحبة لا تصنع شرًّا للقريب، فالمحبة هي تكميل الناموس (رومية١٣: ١٠). ففي أجواء المحبة المسيحية يأتي الترفق والاحتواء واللطف الكثير. وليس أدل من أن روح الله تكلم كثيرًا عن المحبة الأخوية ومثالنا سيدنا الكريم حتى سجل الوحي ما يمكن أن يكون لنا نورًا في هذا الموضوع المهم (١كورنثوس١٣).
أما الخصام والتحزب فليسَ من صفات أولاد الله المدققين. والخصام مرتبط بكبرياء القلب، وبالغضب وبالمعصية (أمثال١٣: ١٣؛ ٢٩: ٢٢). ويحرضنا الرسول بولس على حياة بعيدة عن الخصام فيقول: «لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ» (رومية١٣: ١٣) كما أشار أيضًا إلى هذا بالقول: «وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ» (١كورنثوس١١: ١٦).
إذًا أيها الأحباء؛ فمن يزرعون الخصومات بين إخوة هم مدانون أمام كلمة الله، وتستدعى أفعالهم غضب الرب. وقد حذر الرسول بولس كنيسة كورنثوس من مغبة الخلافات والخصومات «لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ... وَلكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ» (١كورنثوس١١: ١٨؛ ١: ١٠) وتحريضه للكنيسة موصيًا بهذا تيطس «وَلاَ يَطْعَنُوا فِي أَحَدٍ، وَيَكُونُوا غَيْرَ مُخَاصِمِينَ، حُلَمَاءَ، مُظْهِرِينَ كُلَّ وَدَاعَةٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ» (تيطس٣: ٢).
ليحفظنا الرب من الانشقاقات والروح المتشددة ويعطنا أن نتمثل بالرب في وداعته وحلمه وترفقه بجميع الناس غير متساهلين مع الشر أو عدم الترتيب لكن لننذر بعضنا البعض بروح الحب والإخاء.