عندما يشتد الظلام يكون للنور أهمية كبرى، حتى وإن كان صغيرًا. فضوء الشمعة يكون مميَّزًا في الغرفة المظلمة ويبدد ظلامها. هذا ما رأيناه في العدد السابق وكيف أشار الرسول بولس إلى ابنه تيموثاوس بالقول «أما أنت» أربع مرات في رسالتيه له. فمع تزايد شر الآخرين في الأيام الأخيرة، هناك أمناء للرب يُقال عنهم بحق: «إنسان الله» الذي يقف في صف الله وبالتالي يهرب من كل ما يتصف به أهل العالم أو من يصفهم الكتاب بالأشرار. ثم يتبع الأمناء نظيره بصفاتهم الروحية المميزة.
أما أنت.. والتعليم
«وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي،» (٢تيموثاوس٣: ١٠). سبع صفات في هذا العدد سمعها ورآها تيموثاوس في الرسول بولس ثم تبعها. وهو هنا مميَّز وسط كثيرين ممن سباهم الشيطان، فانصبَّ تعليمهم على البدع الكثيرة مع رفضهم لمعرفة الحق ومقاومته وتركه. ولكن بالمقارنة مع هؤلاء المعلمين والمتعلمين الكذبة يوجد أمناء يُشار إليهم بالقول: «أما أنت»؛ فهو إنسان الله، وفي صف الكتاب المقدس، وهذا هو التعليم الذي سمعه تيموثاوس واتَّبعه.
التعليم وما هو: تيموثاوس لم يتبع شخص بولس، بل تعليمه. وتعليم بولس لم يكن بحكمة إنسانية ولا بفلسفة بشرية، بل تعليم مصدره الكتاب المقدس الموحى به من الله وهو وحده النافع للتعليم. وهذا ما قاله لتيموثاوس «اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِي» (٢تيموثاوس٢: ٨). وأيضًا ما قاله الرب لموسى قديمًا: «فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ» (خروج٢٤: ١٢).
المعلم: هو الروح القدس الذي يقود المُعلمين في الكنيسة للتعليم «وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِتَعْلِيمِهِمْ» (نحميا٩ :٢٠).
التعليم لخائفي الرب: «سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِم» (مزمور٢٥: ١٤).
هناك علاقة بين معرفة مشيئة الله والتعليم: «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي» (يوحنا٧ :١٧).
صديقي القارئ: ما أكثر المعلمين الكذبة في أيامنا الأخيرة هذه، فاحذر أن تتبع شخص لا يتكلم كأقوال الله، وافعل ما فعله أهل بيرية مع الرسول بولس نفسه وقد مدحهم الكتاب على هذا: «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟» (أعمال١٧ :١١). فليتك تقارن ما تسمعه بالكتاب المقدس بغض النظر عن اسم ومكانة المتكلم.
بولس كمثال في التعليم: كان هناك علاقة وثيقة بين ما يتكلم به بولس وبين حياته وسلوكه وسيرته، فقد كان يعيش ما يتكلم ويعلم به. تابعًا بهذا المثال الكامل شخص ربنا يسوع المسيح «جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ،» (أعمال١: ١)، لذا استطاع أن يُقدم نفسه كقدوة لتيموثاس. فكثيرون من المعلمين والمتكلمين يوجد فارق كبير بين سلوكهم وما يعلِّمون به. نوعيات كانت موجودة في أيام وجود الرب يسوع بالجسد وحذر التلاميذ منهم «حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ» (متى١٦: ١٢). فالفريق الأول يصفهم الرب بالرياء والثاني ينكرون أجزاء من المكتوب. وللأسف موجود وسط المسيحية مَن هم على شاكلة الفريسيين والصدوقيين.
ما رآه تيموثاوس في بولس وتبعه: ألم يكتب بولس في رسالته إلى العبرانيين هذا «اذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ.» (عبرانيين١٣: ٧). نعلم أن تيموثاوس رافق الرسول بولس كثيرًا في خدمته وسمع تعليمه ورأى حياته وسَيره وسلوكه وأنها مطابقة لما يعلم به. وأنه بحق كان يزين تعليم مخلصنا الله بأعماله (تيطس٢ : ٥-١٠). وكان أيضًا له قصد واحد وهو خدمة الرب والعمل في كرمه، وله إيمان راسخ أمام ما احتمله من آلام وشدائد، وتميز بولس أيضًا بطول الأناة، الصفة التي تعلمها من الرب الذي احتمله وهو يضطهد الكنيسة، وكذلك أظهر في حياته محبة للآخرين قبل أن يعلم بها، وكيف تميّز بالصبر في احتمال الآلام الكثيرة والرفض من الآخرين. هذا ما رآه تيموثاوس في بولس وأتبعه.
علاقة تيموثاوس بالتعليم: بعد أن يتبعه، يفكر الآخرين به، ويعكف عليه (١تيموثاوس٤ :٦، ١٣). ألم يقُل الرب: «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يوحنا ٧: ٣٨). والمروي هو أيضًا يروى. فمَن يتبع التعليم الصحيح عليه مسؤولية تجاه الآخرين «إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ».
فتيموثاوس كان يتغذى ويتقوى بكلام الإيمان والتعليم الحسن، وما عليه سوى تذكير المؤمنين بهذا التعليم في وقت انتشرت فيه تعاليم الشياطين والأرواح المضلة. ثم يطلب بولس من تيموثاوس أن يمارس القراءة والوعظ والتعليم بين المؤمنين في كنيسته المحلية. طبعًا بعد أن تتشكل حياته هو أولًا بكلمة الله قبل أن يعظ ويعلم. «إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ».
صديقي القارئ: ما أحوجنا في هذه الأيام إلى التمسك بالحق وتعاليم الكتاب المقدس الموحى به من الله والنافع للتعليم. حتى لا نكون محمولين بكل ريح تعليم أخرى من معلمين مستحكة مسامعهم. وأقول لمن يتكلمون ويخدمون ما قاله الكتاب فقط «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (١بطرس٤: ١١).
وللحديث بقية