مع انتشار الرادارات بشكل كبير في شوارعنا، حتى في الطرق الداخلية وليس فقط السريعة، بدأت تتولد ثقافة جديدة عند الكثيرين؛ فالسائق المصري ارتدى أخيرًا حزام الأمان إجباريًا (له ولمرافقه في بعض الأحيان)، والتزم بالسرعة المقرَّرة للطريق؛ إن كانت ٦٠ أم ٨٠ أم ١٢٠كم/ ساعة.
تُرى ما هو اختيارك؟!
أما التصرف الآخر، أنه يتجاهل الرادار الإلهي، فتتم فيه الكلمات «الشِّرِّيرُ حَسَبَ تَشَامُخِ أَنْفِهِ يَقُولُ: لاَ يُطَالِبُ. كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ» (مزمور١٠: ٤)، فيمضي في طريقه بلا رادع. حتى تتراكم عليه المخالفات أمام عين الله الثاقبة، وحينها لا يمكن التظلم عليها بأي شكل من الأشكال، لأنها صادرة من أعلى وأعدل وأشرف محكمة كونية، وسيأتي وقت التسديد، وحينها «يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ» (رومية٣: ١٩)، ويا له من هلاك كبير!
ويبقى أمام الإنسان تصرفين بلا ثالث؛ الأول أن يغتنم فرصة محو هذه المُخالفات، دون دفع أي رسوم أو غرامة تأخير، عن طريق التصالح (ليس مع نيابة المرور)، لكن مع الله البار «فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» (أعمال الرسل٣: ١٩)، ويا لها من فرحة كبيرة!
ليس بكاميرات HD، أو حتى ٤k ولكن بدقة غير محدودة، هي بذاتها نقاوة عين الله الحادة، التي تخترق الملابس والأنسجة والنيّات والسرائر (جمع سر) «لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (١صموئيل١٦: ٧).
فالرادار الإلهي لا يسجل فقط أعمال البشر، ولكن حتى كلماتهم الصعبة، بل أفكارهم الداخلية على مضاجعهم، على مدار ٢٤ ساعة، وعلى كل طرق الحياة.
هذا مضمون نبوة أخنوخ في العهد القديم، والتي أفصح عنها الوحي عبر الرسول يهوذا في العهد الجديد «هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ» (يهوذا: ١٤، ١٥).
ماذا يراقب؟
ورغم فساد الحاكم (الرادار الخارجي) وموت الضمير (الرادار الداخلي)، يبقى الله القدوس يراقب البشر بالرادار الإلهي الذي لا يعطل أبدًا، ولا يمكن الإفلات منه بأي شكل من الأشكال.
وكذلك ضلّت الكثير من الحكومات، وأصبح لدى الكثير من الحُكام أجندة مُضادة لله، رغم أنه من المفترض أنه “خادم الله للصلاح”، ويحدث هذا – للأسف - في بلاد غربية تدين علنًا بالمسيحية، وتفتخر بالحرية والتمدين والديمقراطية، بل ويُقسم حاكمها على الكتاب المقدس قبل أن يتولى الحُكم!!
ولكن للأسف فإن الخطية أفسدت الرادارين؛ فأصبح ضمير الإنسان موسومًا، بمعنى مكتوٍ، لقد كتم الإنسان تحذيرات ضميره، وأصبح وجوده كالعدم.
وهذا ما يوضحه الرسول بولس: «فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ» (رومية١٣: ٣-٥).
وهنا تظهر حكمة الله، من وجود رادارين؛ الضمير الذي هو بمثابة “رادار داخلي” ينبه الإنسان عند فعل المخالفات، وكذلك الحكومات، والتي هي “رادار خارجي” من المفترض أنها تدفع الناس لفعل الخير ومرضاة الله.
إذا فرضنا أنه تم تعطيل القانون ليوم واحد، واختفت كاميرات المراقبة لسويعات قليلة، لكانت أكبر نسبة جرائم لم يشهدها العالم من قبل، ففي داخل أغلب أذهان البشر دوافع كبيرة لارتكاب الشرور، وما يمنعهم فقط هو وجود المُراقب؛ سواء كان قانون يمنع، أو إنسان في منصب يُعاقب.
من يراقب؟
وهنا تبادر لذهني عدة ملاحظات روحية، أشاركك - عزيزي القارئ - بمُلخصها.
صحيح أن الرادار قد يكون قاسيًا و“غشيمًا” في بعض الأحيان، فيحتسب مثلاً مخالفة عدم ارتداء حزام الأمان لشخص بالفعل يرتديه، لأنه يرتدي تيشيرت أسود لم يُظهِر الحزام فوقه!! لكن في كل الأحوال عليك أن تدفع المُخالفة أولاً، قبل أن تتضاعف، ثم تتظلم كيفما شئت.
وتأكد أن الموضوع في منتهى الجدية، وليس من قبيل التهديد و“التهويش” الحكومي، عندما وصلته في الحال على “موبايله” رسالة بها رقم ومكان وقيمة المخالفة، ولا يستطيع التملص من دفعها، لأن الكاميرات صورته وهو متلبِس بمخالفته، بنفس ملابسه ومواصفات سيارته.