مرة ثالثة عزيزي القارئ نلتقي لنتأمل فيما تميَّز به تيموثاوس حسب قول الرسول بولس له: “أما أنت”، التي قالها له أربع مرات في رسالتيه له. في المقال الأول وقفنا عند قوله له: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ» (١تيموثاوس٦: ١١). يهرب من أشياء هي السمة الغالبة لمعظم الناس، ويتبع فضائل روحية حتى وإن كانت غير ظاهرة في الآخرين، لماذا؟ لأنه إنسان الله. ثم رأينا في العدد السابق المصادر التي كانت لتيموثاوس لتساعده على هذا وهو الرسول بولس كمرشد ومعلِم رافقه تيموثاوس وسمع تعليمه ورأى فيه حياة تتطابق مع هذا التعليم «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي» (٢تيموثاوس٣: ١٠).
٣- أما أنت... والثبات
«وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ» (٢تيموثاوس٣: ١٤).
كَلَّمه في المرة الأولى عن تميّزه بالانفصال عن الشر واتباع الخير. وفي الثانية عن اتّباعه التعليم الصحيح الذي سمعه من الرسول ورآه أيضًا في حياته العملية. وهنا يرشده ويشجّعه على الثبات فيما تعلمه. صحيح أنه مُهِم جدًا أن نمتلك الحق ونفخر بذلك وأن نتعلمه أيضًا، ولكن من الأهمية أيضًا أن نتمسك به بيقين كامل، لأنه إن فعلنا هذا، نستطيع مواجهة الشر ومواجهة المعلمين الكذبة ليس فقط الذين ينكرون الحق ووحي الكتاب المقدس، بل الأخطر منهم الذين يمزجون الحق بالكذب.
أما أنت: بعد أن انتهى بولس من توضيح الصورة القاتمة في بداية الأصحاح الثالث عن الناس الأشرار والمتدينين الذين يلبسون ثياب التقوى وهم لا يعرفون الرب، يعود ويؤكِّد له على ضرورة الحفاظ على تميُّزه والحد الفاصل بينه وبينهم. ليس هؤلاء فقط، لكن نلاحظ أنه في كل أصحاح من الأصحاحات الأربعة يوجد ثنائي شرير يقاوم الحق وتابعيه أذكرهم لك: فيجلس وهرموجانس ارتدوا عن بولس وتعليمه (١: ١٥). هيمينايس وفيليتس زاغا عن الحق وصارت تعاليمهم ضد المكتوب كالغرغرينة ترعى كآكلة (٢: ١٧). من هم على شاكلة ينيس ويمبريس اللذين قاوما موسى قديمًا، هؤلاء لا يُقبلون إلى الحق، بل يقاومونه (٣: ٨). ديماس ترك بولس وتعليمه، وإسكندر النحاس أظهر شرورًا كثيرة له (٤: ١٠، ١٤). حقًا رسالة مليئة بالصور، أقول السوداء وليس القاتمة. ومع هذا هناك أمناء للرب كتيموثاوس يُشار إليهم بالقول “أما أنت” ليتك تكون منهم عزيزي القارئ.
فاثبت: لا تتزعزع ولا يهتز إيمانك ولا تتشكك لحظة واحدة، بل اثبت. لماذا؟ لأن المؤمن غير المتمكّن من كلمة الله وهي غير ثابتة فيه؛ مؤمن كهذا، تراه غير مستقر على حالة أو رأي ورياح التعليم الغريبة تحمله من مكان لمكان ومن حالة لحالة. بينما كتب يوحنا «كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ
» (١يوحنا٢: ١٤).
ما تعلمت: إنه الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، الموحى به من الله والنافع للتعليم. لم يتعلم الخرافات الدنسة العجائزية ولا خرافات يهودية ووصايا أناس مرتدين عن الحق.
ممِن تعلم: تعلم مِن الرسول بولس الذي يعرفه تمامًا وعاش معه وسمعه وتأكد أن كلامه هو موحى به من الله. فقد كان في أيام بولس معلمين كذبة كتب لتيموثاوس عنهم «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى،
فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ، الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ» (١تيموثاوس٦: ٣، ٤).
٤- أما أنت والصحو
«وَأَمَّا أَنْتَ فَاصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ» (٢تيموثاوس٤: ٥). أربعة أشياء على تيموثاوس أن يكون مميزًا فيها وسط مشهد يقود للفشل.
ا) اصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ: الصحو هو اليقظة والانتباه والتركيز جيدًا، بعيدًا عن أي شيء يُخدِّر الإنسان ويجعله ينحرف، سواء بالتصرف أو بالكلام أو حتى بالتفكير، وهنا فقط يكون حُكمه صائبًا في كل الأحوال وجادًا ومعتدلاً في عمله.
ب) احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ: قال له قبلاً فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح. فسواء كانت مشقات تواجه كل المؤمنين، أو مشقات خاصة بالخدمة فعلى تيموثاوس أن يحتملها. فطريق الخدمة ليس للرفاهية، بل مليء بالمشقات.
ج) اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ: كان لتيموثاوس مكانته في الخدمة كنائب رسول، وله خدمته في تدبير بيت الله. لكن بولس يحرِّضه ألاّ ينسى عمل المبشر. فيجب ألا يشغلنا شيء – حتى وإن كنت الخدمة - عن الخروج للنفوس البعيدة والمحرومة من كلمة البشارة. وبولس نفسه قال: «فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (١كورنثوس٩: ١٦).
د) تَمِّمْ خِدْمَتَكَ: يوجد في طريق الخدمة مُعطِلات كثيرة يضعها إبليس أمام من يخدمون الرب مثل: الخوف من الآخرين أو التعرض للانتقاد، والإحباط من المخدومين، أو محبة العالم وشهواته الكثيرة – كديماس - لكن إن تعثَّرنا في شيء من هذا فعلينا أن نطرح أنفسنا على الرب الذي دعانا لخدمته وعلى كلمة نعمته القادرة أن تثبتنا.
عزيزي القارئ، أعلم أننا في أيام صعبة وحالة تصيب بالفشل كنسيًا وروحيًا لكن خُذِ من هذه الكلمات التي قرأتها صوتًا من الرب لك “أما أنت”، ليشجّعك ويحوِّل نظرك عن الناس وحالتهم إلى الرب ودعوته لك، وإلى تميزك كسراج وسط هذه الظلمة. فلا نَنَم كالباقين، بل لنَصحُ، وحُبًّا في السيد الذي احتمل لأجلنا الكثير، نحتمل كل شيء. وعلينا ألا ننسى المنقادين للقتل والموت حولنا ونصل لهم بكلمة البشارة. ونتمم الخدمة التي شرفنا الرب بها.