«كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله» (يوحنا 1: 10، 11) يا للعجب أن خالق العالم عندما أتي إلى هذا العالم متجسداً لم يجد من يستقبله ويرحب به. ومع أن النبوات قد حددت مجئ المسيح زماناً ومكاناً، لكن ما أقل الأفراد الذين كانوا ينتظرونه ويتوقعون مجيئه. فقد كان هناك أفراد قلائل، بقية قليلة متمثلة في سبعة أشخاص هم زكريا وإلىصابات، سمعان البار وحنة النبية، يوسف ومريم، ويوحنا المعمدان. هؤلاء هم كانوا المنتظرين فداء في إسرائيل.
وعندما ولد المسيح لم يكن له موضع في أي بيت فوضع في مزود الحيوان. وياللعجب مرة أخرى أن عمانوئيل لم يجد مكاناً في كل أرضه. فعاش هنا كالغريب.
وقد أظهر العالم بصفة عامة وإلىهود خاصة مشاعر الحقد والكراهىة والرفض نحو المسيح منذ ولادته. ففي طفولته المبكرة أراد هىرودس أن يقتله. فأرسل وقتل جميع الأطفال في بيت لحم من ابن سنتين فما دون. لكن العناية تدخلت وظهر ملاك الرب ليوسف في حلم قائلاً قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر (متى2). وفي بداية خدمته، وهو في مجمع الناصرة، بينما كان يتكلم عن خدمته للمساكين والمنسحقين والنائحين وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه، بمجرد أن أشار إلى إمكانية وصول هذه النعمة إلى الأمم، امتلأ غضباً جميع الذين كانوا يسمعون. وسرعان ما تغيرت المشاعر، فأخذوه وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل (لوقا4). وتكررت محاولاتهم لقتله كلما كان يتحدث عن نعمته أو عن مجده ومعادلته للآب. فعندما كان يشفي في السبت وأعلن أن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً. حينئذ تشاوروا عليه لكي يهلكوه (متى 12: 14). وعندما شفي مريض بركة بيت حسدا وأعلن معادلته للآب قائلاً «أبي يعمل ... وأنا أعمل» من أجل هذا كان إلىهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه قال إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله (يوحنا 5: 17، 18).
وعندما قال إلىهود «قبل أن يكون إبراهىم أنا كائن» فرفعوا حجارة ليرجموه (يوحنا 8: 58، 59). وعندما قال لهم «أنا والأب واحد». رفعوا أيضاً حجارة ليرجموه (يوحنا 10: 30، 31). وأخيراً تكاتف العالم كله ضد مسيح الله وصلبوه معلقين إياه علي خشبة، معبرين عن رفضهم الكامل والمطلق له.
مرة سافر رب المجد في البحر وجاء إلى بلدة للجدريين وهناك التقي بمجنون كان يسكنه شياطين كثيرون وأخرج منه الأرواح الشريرة التي كانت تسكنه. وأذن لهم أن يدخلوا في قطيع خنازير كان يرعي علي شاطئ البحيرة فاندفع القطيع كله من علي الجرف إلى البحر ومات. فطلب إلىه كل جمهور البلدة أن يذهب عنهم وأن يمضي من تخومهم (مرقس 5: 17،لوقا 8: 37).
ومرة أخرى دخل قرية للسامريين فلم يقبلوه. «فلما رأي ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص. فمضوا إلى قرية أخرى. وفيما هم سائرون في الطريق قال له واحد أتبعك أينما تمضي فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه»(لو9: 51- 58).
وفي مثل الكرم والكرامين، أرسل صاحب الكرم العبيد تلو العبيد إلى الكرامين ليأخذ الأثمار فقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً وجلدوا بعضاً. أخيراً قال أرسل ابني لعلهم يهابونه. أما هم فقالوا هذا هو الوارث هلم نقتله ونأخذ الميراث. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه (متى 21: 38، 39). وهذا ما فعله إلىهود في المسيح حيث صلبوه خارج أسوار أورشليم.
وفي مثل الإنسان الشريف الجنس الذي ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه ملكاً ويرجع نقرأ أن أهل مدينته كانوا يبغضونه فأرسلوا وراءه سفارة يقولون «لا نريد أن هذا يملك علينا» (لوقا 19: 11- 14)
في هذا المثل نري أيضاً مشاعر إلىهود نحو المسيح ملكهم الذي رفضوه.
وفي المحاكمة أمام بيلاطس كان الرفض واضحاً عندما صرخوا جميعاً قائلين «ليس هذا بل باراباس. وكان باراباس لصاً» (يوحنا 18: 40). وأيضاً «ليس لنا ملك إلا قيصر» (يوحنا 19: 15). لقد قال حقاً بطرس لليهود «طلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه» (أعمال 3: 14، 15).
إن الذي رُفض وطُرد، وطلبوا إلىه أن يذهب عنهم وأن يمضي من تخومهم، وأخرجوه خارجاً، وأسلموه لقضاء الموت. هذا الشخص قد قبلته السماء. وهو هناك في يمين العظمة في الأعإلى. وقريباً سيأتي ليملك علي العالم العتيد، ويتبوأ عرشه علي الأرض في المستقبل. ويكون الرب وحده في كل الأرض.