كلمة عامة:

مدينة أورشليم هى واحدة من أقدم وأهم وأشهر المدن في العالم، لها تاريخ حافل ووضع خاص وموقع متميز.  ويرد في الكتاب المقدس «هكذا قال السيد الرب.  هذه أورشليم.  في وسط الشعوب قد أقمتها وحوإلىها الأراضي» (حزقيال 5:5).

المفروض أن تكون أورشليم مدينة السلام كمعني إسمها.  فالكلمة مكونة من مقطعين، أور: أي أساس، شاليم: أي السلام.  لكنها كما سنري بعد قليل أنها صارت أبعد ما تكون عن السلام وسنعرف السبب.

ولأورشليم أسماء كثيرة في الكتاب المقدس.  لعل أشهر هذه الأسماء «مدينة القدس» (إشعياء 48: 2) نظراً لوجود هىكل الله فيها.  كما تُسمي أيضاً لنفس السبب «المدينة المقدسة» (إشعياء 52: 1، متى 4: 5).  وأيضاً «مدينة الله» (مزمور 87: 3) ففيها يتقابل الشعب مع إلهه في هىكله.

ولقد ظلت أورشليم هى العاصمة لكل من اسرائيل وفلسطين لزمن طويل. أما أورشليم الحديثة فقد بنيت بعد عام 1860 وتعدادها الحإلى يقرب من نصف مليون نسمة.

الموقع:

تقع مدينة أورشليم علي بعد حوإلى 20كم غربي الطرف الشمإلى للبحر الميت، وعلي بعد 50كم إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط وإلى الجنوب الغربي من دمشق بنحو 210كم.

وترتفع المدينة فوق سطح البحر حوإلى 750 متراً.  وهى تقع بين أضلاع مثلث من سلاسل جبلية عإلىة.  وفي هذا يقول الكتاب المقدس «أورشليم الجبال حولها» (مزمور12: 2).

إلى الشرق يقع جبل الزيتون الشهىر الذي منه صعد المسيح إلى السماء، وإلىه سوف ينزل عند رجوعه إلى الأرض ليملك (أعمال الرسل 1: 9-12، زكريا 14: 3، 4).  وجنوب المدينة يقع وادي ابن هنوم، وهو نفسه «جي هنوم» حيث كانت تحرق نفايات المدينة، ومنها استمدت الكلمة العربية «جهنم».

لا توجد بالمدينة مصادر للمياه.  وأشهر مصدرين  لتغذية المدينة بالمياه هما بئر أيوب، ثم نبع العذراء المتصل ببركة سلوام.  والمرجح أنهما علي التوإلى «عين روجل» (2صموئيل 17: 17)، و«جيحون» (2أخبار 32: 30) والملاحظ في موقع المدينة أنه ليس ممر قوافل بين القارات أو البلدان الهامة.  وانه لا يذهب إلى أورشليم هذه المحاطة بالجبال إلا من يقصدها لذاتها.

وهذا فعلاً أمر يليق بمدينة الله. فإن من يريد مقابلة الله عليه أن يكون قاصده وحده ليس سواه، ولا يشرك أحداً.

تاريخ المدينة:

أورشليم مدينة غائرة في القدم حيث ترد أول إشارة إلىها في الكتاب المقدس في تكوين 14: 18 باسم «سإلىم»، وكان ملكها هو ملكي صادق الذي كان أيضاً كاهناً لله العلي.

ثم ترد الإشارة التإلىة في تكوين 22 حيث طُلب من إبراهىم أن يقدم وحيده فوق جبل المريا.  ولم يكن هذا إلا صورة لله الذي بذل إبنه الوحيد لأجلنا (يوحنا3: 16).  وفي نفس هذا المكان بني سليمان الهىكل بناء علي أمر الرب (2أخبار 3: 1) ليكون مكان تقديم ما لا يحصي من الذبائح، وكلها تشير إلى ذبيحة المسيح الواحدة والكافية (عبرانيين 10: 11 ،12)، وبالقرب من الهىكل وفي مدينة أورشليم صُلب المسيح ومات، وهناك دُفن (لوقا13: 33، رؤيا 11: 8) 

عندما دخل شعب اسرائيل الأرض بقيادة يشوع بن نون لم يفتتحوا أورشليم نظراً لقوتها المستمدة من موقعها الطبيعي الحصين (قضاة 1: 21).  لكن بعد مئات السنين، عندما ملك داود، افتتحها وطرد منها إلىبوسيين وجعلها عاصمة مملكته ودعاها «مدينة داود» (2 صموئيل 5: 6- 10).

ولقد عمل داود فيها اصلاحات كما بني قصراً لنفسه.  ويلاحظ أن القدس القديمة التي تحيط بها الأسوار هى تلك التي بناها داود.  والزائر يلاحظ أن سورها بُني في أزمنة عديدة لا في فترة واحدة، مما يشير إلى الخراب الذي لحق بالمدينة وإعادة ترميمها عدة مرات.

ثم جاء الملك سليمان بن داود وبني الهىكل.  والمرجح عند جمهور العلماء أن في نفس موقع هىكل سليمان مقام حإلىاً مسجد قبة الصخرة.  وفي عهد سليمان أصبحت أورشليم من أعظم مدن العالم. 

وبعد سليمان إستمرت أورشليم عاصمة لمملكة يهوذالمئات السنين حتى جاء نبوخذ نصّر وحاصرها ثم دمرها كما دمر الهىكل.

وبعد نحو 50 سنه عندما انهزم البابليون أمام الفرس، سمح كورش الفارسي بعودة إلىهود إلى أورشليم وإعادة بناء الهىكل (سفر عزرا) والمدينة (سفر نحميا) ثم بعد الفرس افتتحها الإسكندرالأكبر، وبعد موته حكمها البطالسة من مصر، ثم السلوقيون من سوريا حيث جاء انتيوخس أبيفانس السوري (في القرن الثاني ق.م) ودنس الهىكل إذ بني مذبح للوثن مكان مذبح الرب، وهدم سور أورشليم.

ثم ساد الرومان علي العالم. وفي عام 63 ق.م افتتحها القائد الروماني «بومباي»، وحكمها الرومان بواسطة الهرادسة.  وقام هىرودس الكبيير بإصلاحات عديدة في المدينة وجدد الهىكل في 46 سنه (يوحنا 2: 20) وأصبح تحفه معمارية رائعة (لوقا 21: 5).

لكن مأساة أورشليم الحقيقية أنها رفضت المسيح رئيس السلام عندما جاء ليفتقدها (لوقا 19: 41- 44).  هذا هو سر مشكلاتها بل مشكلات العالم. ولهذا فقد جاء تيطس الروماني عام 70م وحاصرها حصاراً مريعاً، ثم دمر المدينة وسوّاها بالأرض، أما الهىكل فلم يترك فيه حجر علي حجر (لوقا 21: 6)، وأما سكانها فانهم جميعاً قتلوا أو بيعوا كعبيد.

بعد تيطس الروماني لم تنعم المدينة بالسلام إلا قليلاً، بل توالت عليها الحروب والغزوات: هرقل البيزنطي، ثم عمر بن الخطاب، ثم الأتراك السلاجفة، ثم الصليبيون، ثم التتار، ثم الأتراك العثمانيون (حيث قام السلطان سليمان الكبير نحو عام 1540 ببناء الأسوار كما يراها الزائر في الوقت الحاضر ثم الإنجليز الذين أعطوا وعد بالفور لإنشاء وطن قومي لليهود (سنة 1917) ثم إنشاء دولة إسرائيل 1948 وما تلي ذلك من حروب ثم صدور قرار الأمم المتحدة بتدويل أورشليم 1949 حيث أنضمت القدس القديمة إلى الأردن لكنها آلت بعد حرب 1967 إلى إسرائيل.  ولازالت مدينة أورشليم هى النقطة الساخنة في الحوار العربي الإسرائيلي، وهذا كله إتماماً لقول المسيح «تكون أورشليم مدوسة من الأمم، حتى تكمل أزمنة الأمم» (لوقا 21: 24)

أهمية المدينة:

تعتبر أورشليم من أهم المدن السياحية في العالم، إذ لها أهمية دينية خاصة عند كل من إلىهود والمسيحين والمسلمين.  وكان أول من اهتم بالمدينة من هذه الناحية هى هىلينا أم الإمبراطور قسطنطين إمبراطور روما التي توفيت سنه 328 م وكانت قد زارت القدس وأمرت ببناء كنيسة عظيمة فوق القبر المقدس، ثم توالت بعد ذلك بناء الأماكن التي تخلد الأماكن ذات الطابع الديني.

ومع أن المسيحية بصفة عامة لاتعني بالمزارات ولا تنسب لها أية قيمة روحية، لكن تظل هذه المدينة غإلىة في وجدان المسيحي إذ فيها مات المسيح ودفن، ومنها صعد.  وفيها نزل الروح القدس يوم الخمسين وتأسست الكنيسة في أورشليم من ألفي عام.

وتمتد أهمية أورشليم إلى المستقبل إذ أن المسيح سوف يعود إلى الأرض مرة ثانية، وسينزل إلى أورشليم كما صعد منها (أعمال 1: 9-12 ، زكريا 14: 3 ،4)؛ وعندئذ ستتمتع المدينة أخيراً بالسلام وبالمجد، لا المدينة وحدها بل العالم أجمع (إشعياء 2: 2- 4).