الله معانا ويحصل كل ده؟

كم من أمور صعبة تتحدى إيماننا وثقتنا في صلاح الله!! حتى رجال الله الأفاضل لم يسلموا من هذه التحديات. فيومًا ما عبَّر جدعون عما بداخله من صراع فكري بين حقيقتين؛ الأولى: أن الله معهم مما لا شك فيه، والثانية هي: كيف يكون الله معهم وشعبه في معاناة رهيبة بسبب استعبادهم من المديانيين؟ نستطيع أن نفهم هذا الصراع الداخلي لجدعون، عندما سأل ملاك الرب قائلاً له: «إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ» (قضاة٦: ١٣). فهؤلاء المديانيين القساة استعبدوا شعب الرب وأذلوهم، ولم يتركوا شيئاً لهم إلا وأتلفوه «لاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ» (قضاة٦: ٤)

وكثيرون منا يعانون ويتحيرون في داخلهم متسائلين: لماذا يقوى الشرير ويتجبر، بل ها هو يعمل بشعب الله وأولاده وكأن لا رادع له. وكم من مرات يشكك العدو في صلاح الله مع أولاده بسبب ما تصيبهم من متاعب وكوارث، ويحاول أن يقنعهم بأن الله إما أنه ترك أولاده أو أنه لا يعنيه ما يحدث لهم مطلقًا!

عندما نرجع إلي سفر القضاة، والأصحاح السادس ونراجع أحداث هذا الفصل، نفهم أنه هناك أسباب وضحها الروح القدس عن سر شقاء شعب الله وقتها.

أولاً: «وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ» (قضاة٦: ١)

فحاشا لله أن يسمح بإذلال شعبه دون سبب. ألم يقل لهم الرب في الشريعة عن عقوبة الابتعاد عنه؟ لقد حذرهم بالقول «إِنْ خُنْتُمْ فَإِنِّي أُفَرِّقُكُمْ فِي الشُّعُوبِ» (نحميا١: ٨)، ليحفظنا الرب من الشر حتى لا يتعبنا، فالابتعاد عن الرب شر مميت «فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ» (إرميا٢: ١٩).

ثانياً: لقد كلمهم الرب مرارًا عديدة وهم تجاهلوا «وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي» (قضاة٦: ١٠).

فما أصعب أن يحوِّل الإنسان أذنه عن سماع أقوال الله، فلقد قال الرب قديمًا: «لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي... فَلِذَلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ» (أمثال١: ٢٤، ٣١). وفي ذات الأصحاح يقول الرب مشجِّعًا من يصغي له قائلاً: «أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ» (أمثال١: ٣١).

هذان هما الأمرين اللذان بسببهما أصابتهم كل المتاعب والضيقات قديمًا. صحيح قد لا تكون أنت فعلت هذه أو تلك، لكن من الرائع أن نراجع أنفسنا هل ما يحدث لنا هو نتيجة الابتعاد عن الرب؟

وما أطيب قلب الرب إلهنا، لقد قال عنه ميخا: «يَعُودُ يَرْحَمُنَا يَدُوسُ آثَامَنَا وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ» (ميخا٧: ١٩). فبمجرد أن صرخ شعب الرب قديمًا إلى الله، أرسل لهم مخلصًا، وهو جدعون بن يوأش، الذي خلصهم من مديان.

قد يكون هناك أسبابًا أخرى، لما نمر به من ضيق، غير الشر والتمرد على الرب. فكم من مؤمنين أتقياء أصابتهم أمورًا قاسية قال عنها يعقوب: «تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ»، والهدف منها حلو ومبارك وهو «عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْراً... لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ» (يعقوب١: ٢-٤).

أشجع نفسي وقارئي الكريم أن نفحص أنفسنا باستمرار في محضر الرب، ولاسيما عندما تحدث لنا أمور قاسية، مصلين مع داود: «اختبرني يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي» (مزمور١٣٩: ٢٣). أن أظهر لنا الروح القدس شيئًا لا يمجد الله ولا يرضى عنه، لنتب إلى الرب إلهنا فهو يُكثر الغفران. أما أن لم يوجد خطية أو لوم في حياتنا، فدعونا في هذا الوقت لا نلوم الله ولا نأخذ على خاطرنا منه، لأنه بالتأكيد ما نمر به هو لبركة حياتنا واختبار مجيد، لأن الضيق ينشئ صبرًا. لنضع ذواتنا وما نمر به بين يدي الرب الحنون واثقين في رحمته ونعمته التي تكفي وتسند قلوبنا طوال الطريق «فَإِذاً، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ الْخَيْر» (بطرس الأولى٤: ١٩).