لماذا سُميت هكذا؟ السبب ببساطة أن مجال أو مدى النبوة صغير مُقارنةً بأسفار الأنبياء الكبار. ففي العادة يكون للنبوة موضوع واحد في الوقت الذي يوجد موضوعات كثيرة داخل كل سفر من أسفار الأنبياء الكبار.
فعلى سبيل المثال، يتكلم إشعياء عن شعب إسرائيل وبالأخص مملكة يهوذا وعن بابل وعن مصر وعن آشور وعن آدوم بينما لا يتكلم هوشع مثلاً إلا لشعب إسرائيل.
عندنا ١٢ سفرًا للأنبياء الصغار تأتي في آخر العهد القديم تبدأ بهوشع وتنتهي بملاخي بينما هي سفر واحد بحسب النسخ العبرية ويتم تصنيفها بحسب التوراة العبرية مع أسفار إشعياء وإرميا وحزقيال ضمن مجموعة "الأنبياء اللاحقون" بينما تضم مجموعة "الأنبياء السابقون" أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك. أما سفر دانيال فُيوضع عندهم ضمن مجموعة تُسمًّى "الكُتب" أو "كتوبيم" وتضم أيضًا أسفار المزامير والأمثال وأيوب ونشيد الأنشاد وراعوث والمراثي والجامعة وأستير وعزرا ونحميا وأخبار الأيام.
يُمكن تقسيم الأنبياء الصغار بحسب زمن وموضوع النبوة. ثلاثة منها عن شعوب أممية وهي عوبديا وتنبأ عن آدوم ويونان وناحوم وتنبأ كلاهما عن نينوى عاصمة مملكة آشور. التسعة الأسفار الباقية هي نبوات لشعب إسرائيل، ٦ منها قبل السبي وثلاثة بعد السبي. أسفار ما بعد الرجوع من السبي هي حجي وزكريا وملاخي. أما أسفار ما قبل السبي الستة، ثلاثة منها لمملكة يهوذا (المملكة الجنوبية) وهي يوئيل وحبقوق وصفنيا واثنان لإسرائيل (المملكة الشمالية) وهي هوشع وعاموس أما ميخا فيُعتبر تنبأ للمملكتين كما نفهم من ميخا١:١.
بحسب التقسيم الخماسي لأسفار الكتاب المقدس فإنها تقابل سفر التثنية من أسفار موسى الخمسة وكلاهما يتكلم عن مسؤولية الشعب إزاء كلمة الله.
نلاحظ أن النبوة زادت وسط شعب الله قبل حدوث السبي وهذا هو قلب الله المحب الذي يحذر من القضاء ويدعو شعبه للتوبة ويعدهم أنهم إذا تابوا سيندم عن الشر الذي تكلم به عليهم. خاطب يوئيل شعب الرب قائلاً: «وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ». (يوئيل٢: ١٣).
و“يندم” هنا، كما في أجزاء أخرى كثيرة عن الله في الكتاب، يجب ألا نفهمها بنفس الطريقة التي نتكلم بها عن أنفسنا عندما نغير رأينا بخصوص أمر ما وندرك أننا كنا مخطئين فيما قلناه أو فعلناه. الأمر بالنسبة للرب يعني أنه يُغيّر أسلوبه في التعامل، فبعد أن يعلن القضاء المُستَحق والعادل على شخص أو شعب، يؤجله أو يلغيه عندما يرى رجوع وتوبة. فعل الرب هذا مع أشخاص مثل آخاب (١ملوك٢١: ٢٨، ٢٩) ومع شعبه (عاموس٧: ٣، ٦) ومع شعوب أممية (يونان٣: ١٠). استمع يا صديقي لقول إشعياء النبي «لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ». (٥٥: ٧) وميخا النبي «مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ» (٧: ١٨).
يُمكن أن نُعطى عنوان لكل سفر من أسفار الأنبياء الصغار كما يلي:
هوشع: نبوة “المحبة”، يوئيل: نبوة “يوم الرب”، عاموس: نبي “الزلزلة”، عوبديا: نبوة “الزرع والحصاد”، يونان: “النبي الآية”، ميخا: من مثل الله؟، ناحوم: نبي “النقمة”، حبقوق: “الحيرة والإيمان”، حجي: “التشجيع”، زكريا: “الرجاء” وملاخي: “الحالة الأخيرة المحزنة”.
كما أن هذه الأسفار، ككل أسفار الكتاب، تقدِّم لنا المسيح بطرق متنوعة فنراه كالزوج المتألم لخيانة زوجته في هوشع. ونرى آية موته وقيامته في يونان. وفي شخصية زربابل في حجي ونراه كالملك والكاهن في زكريا. وشمس البر في ملاخي. وكل هذه المجموعة من الأسفار تقدمه كالديان والملك.
بقي درس أخير لي ولك يا صديقي تقدمه هذه الأسفار وهو أنه ليس بالضرورة أن نكون “كبارًا” في إمكانياتنا أو مواهبنا أو من جهة شهرة وتأثير، الأهم هو الأمانة. تأمل ما قيل عن النبي حجي في حجي١: ١٣ «حَجَّي رَسُولُ الرَّبِّ بِرِسَالَةِ الرَّبِّ»، يا للشرف، هذا الشخص ظهر في وقت خاص وقدَّم رسالة قصيرة لشعب الله لكنها كانت مؤثرة ومشجعة إلى أقصى حد. الأساس هو أن ما نقدمه يكون رسالة من الرب مناسبه للحالة التي نتكلم إليها أو كما قال الكتاب في ١بطرس٤: ١١ «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ.» المهم هو الطاعة، ولنحذر العصيان كما نتعلم من يونان. قوة الخدمة ليس بحسب الإمكانيات، بل قوة روح الرب كما نرى في ميخا: «لكنني لكِنَّنِي أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ» (٣: ٨)، وزكريا «هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُود» ِ(٤: ٦). هناك أنبياء لا نعرف عنهم سوى أسمائهم مثل عوبديا وحبقوق وملاخي، ولا نعرف حتى من هم آبائهم؛ لكن وإن كانوا مجهولين من جهة النسب لكنهم معروفين من جهة التأثير والاستخدام الإلهي. وأيهما أهم أن يعرف الآخرون من نحن أم يعرفوا الرب من خلالنا؟
أشجعك على قراءة أسفار الأنبياء الصغار، إن قرأت أصحاحًا واحدًا منها يوميًا فسوف تنتهي من قراءتها قبل أن يصلك العدد القادم من المجلة. ودع الرب يتكلم إليك، شارك الرب مشاعره من جهة شعبه ومن جهة جميع الناس. انتظر رسالة منه لك أو رسالة منه لآخرين ويريدها أن تصل من خلالك.