بطل الاصدقاء ورحلة العناء

”ماثيو بيري“، ممثل أمريكي شهير من أصول كندية، شارك في العديد من الأعمال الدامية؛ أشهرها على الإطلاق مسلسل ”أصدقاء“ والذي ظهر في التسعينات ولاقى رواجًا وقبولاً غير مسبوق، حتى أنهم أنتجوا منه ١٠ أجزاء بين عامي ١٩٩٤ – ٢٠٠٤ لاقت نجاحًا عظيمًا.

لكن بكل أسف عُثر على ”ماثيو“ ميتًا يوم السبت ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣ داخل حوض ”جاكوزي“ بمنزله في لوس أنجلوس عن عمر ٥٤ عامًا.

امتلك ”ماثيو“ شقة في أبراج سيّرا ومنزلاً في هوليوود هيلز، ومنزلاً آخر في ماليبو، وكوخًا في باسيفيك باليساديس. ولا يخفى على أحد شهرته الفائقة وثروته الطائلة الأمر الذي يُعد حلمًا لشاب مثله.

ومع كل هذا اشتهر عن ”ماثيو بيري“ إدمانه للكحول والمواد المخدرة، لدرجة أنه دخل عدة مصحات علاجية لكي يقلع عن إدمانه دون جدوى. ويعترف ”ماثيو“ بأنه كان يشعر بالفراغ الداخلي رغم كل ما كان يتمتع به، وكل ما كان لديه من شهرة، ومال، وممتلكات، وعلاقات. فقد كتب يومًا يقول: ”لقد مثَّلت في أكثر المسلسلات مشاهدة، وأقل المسلسلات مشاهدة، وحصلت على المال والشهرة التي كنت أسعى إليها، وإلى الآن لم أجد ما يملأ الفراغ الذي بداخلي، ولو كان الأمر بيدي لاستبدلت حياتي بحياة الشخص الذي يعمل في محطة البنزين القريبة من بيتي“.

رغم اندهاش الكثيرين من كلمات ”ماثيو“ إلا أنها ليست غريبة على الإطلاق. إنها الحقيقة التي ربما تغيب عن أذهاننا كثيرًا.

كان ”ماثيو“ يجري خلف أمور يقدِّمها العالم، متخيلاً أنها ستُشبع قلبه، وتجعله سعيدًا، هانئًا، راضيًا، مكتفيًا. لكن الحقيقة أن كل ما يقدمه العالم للإنسان يزيد الأمر سوءًا ويزيد القلب فراغًا. هذا ما أعلنه الكتاب المقدس مرارًا وتكرارًا لنا. قال المسيح للسامرية يومًا: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يوحنا ٤: ١٣، ١٤). كانت السامرية تلهث وراء الشهوة، وتنهل من بئر العالم حتى تملأ فراغ قلبها العميق لكن دون جدوى. لقد ازداد الفراغ أكثر وأكثر. وهكذا يفعل أي إنسان يظن أن العالم سيقدِّم له يومًا ما يُشبع احتياجه، ويروي عطشه.

  • سعى زكا وراء المال، ولم يجد شبعًا (لوقا ١٩).
  • وجرى نيقوديموس خلف المكانة الدينية مُحققًا مركزًا متقدمًا، لكنه لم يشعر بالسعادة فأتى للمسيح ليلاً طالبًا الراحة (يوحنا ٣).
  • ولهث الغني خلف الممتلكات واتساع التجارة والغنى أكثر، لكنه ترك كل شيء في لحظات، وكان حكم الله عليه بأنه ”غبي“ رغم ذكاءه الشديد في التخطيط والإدارة وجمع المال (لوقا ١٢).

عزيزي الشاب،

بعد هذه القصة المُكرَّرة، والتي أثق أن لديك العشرات مثلها مع اختلاف الأحداث والتفاصيل، أقول لك: حتى متى؟

حتى متى تسعى جاهدًا خلف أمور العالم وعطاياه التي لا تُشبع قلبك، ولا تروي ظمأك؟

حتى متى تنخدع ببريق العالم، وشهواته وتظن أنك يومًا ستشعُر بالراحة والاكتفاء والشبع؟

حتى متى تظن أن الفراغ الذي يملأ قلبك ستجد ما يملأه في غير المسيح؟

وأخيرًا أقول لك:

لا راحة ولا فرح ولا قيمة حقيقية إلا في العلاقة الصحيحة بالمسيح، والشبع العميق بالشركة معه.

لن تجد ما يملأ فراغ قلبك إلا في أحضان السيد لذي قال يومًا:

«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يوحنا ٦: ٣٥).