السر المكتوم

”كنيسة“ وباليونانية ”إكليزيا“ تعني ”جماعة مدعوة خارجًا“. والكلمة، في معناها الواضح في العهد الجديد، تشمل كل المؤمنين أولاد الله الحقيقيين من يوم الخمسين للحظة الاختطاف. وهي بالفعل قد خرجت من العالم؛ فأعضاء جسد المسيح ليسوا من العالم (يوحنا١٧: ١٦).

لقد أحبها المسيح وأسلم نفسه لأجلها (أفسس٥: ٢٥)، وهو في وحدة مجيدة معه كوحدة الرأس والجسد، لقد أكرمه الآب بأن جعله رأسًا للكنيسة «... وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ» (أفسس١: ٢٢، ٢٣). ما أمجد الابن وما أعظم الكنيسة!

هذه الصورة تُعلن الحب والاهتمام، فالرأس هو الذي يشعر بالجسد ويقود الجسد لبنيانه والحفاظ عليه «فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَة» (أفسس٥: ٢٩). لكن ليس الحب والاهتمام فقط، بل الوحدة، فالرأس الواحد له جسد واحد. والكنيسة واحدة سواء من جهة تفردها أو من تكوينها.

الكنيسة أسسها المسيح وهو أول من أعلنها «... عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (متى١٦: ١٨).

فالكنيسة فريدة حيث لم، ولن، يرتبط الله ببشر برباط مثل الذي ارتبط به بالكنيسة، حتى عندما اختار شعبًا في الماضي ليكونوا شعبه، لم يُقال عنهم إنهم جسده. وعندما سيُأخذ من هذا الشعب بقية في المستقبل ليملك عليهم، لن يكونوا أيضًا جسده، حتى وإن دعاهم عروسه، فهم عروس أرضية، بالمباينة مع الكنيسة عروسه السماوية وما أعظم الفارق بين السماوي والأرضي! لذا تُشبَّه الكنيسة أيضًا في متى ١٣: ٤٦ بأنها «لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً».

تكوَّنت الكنيسة من اليهود، ومن الأمم اللذين كانا قبلًا في عداوة، لكن الله أبطل هذه العداوة بالمسيح وجعل الإثنين (اليهود والأمم) واحدًا في المسيح إنسانًا واحدًا جديدًا» (أفسس٢: ١٤–١٦).

صاروا «رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ» (يوحنا١٠: ١٦)، وجمع الله أبنائه المتفرقين إلى واحد (يوحنا١١: ٥٢). فيهم صنف حياة واحد، يختلف عن صنف حياة باقي البشر!، إنها حياة الله لذا يقول عنهم عبرانيين٢: ١١: «لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ»

ولأنهم، حتى لو كانوا كثيرين فهم عروس واحدة للمسيح التي هي الآن في وقت الخطبة يقول بولس: «خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.» (٢كورنثوس ١١: ٢). ثم سيأتي دور الزفاف إذ ترى الكنيسة «الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ» (رؤيا٢١: ٩).

الذي صنع الوحدة ويضمنها الآن هو الروح القدس الواحد الذي يسكن في كل المؤمنين كأفراد ووسط الكنيسة، «لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ» (أفسس٢: ١٨).

هذا ما أراد بولس أن يؤكِّد عليه وهو يكتب رسالة أفسس، الرسالة التي تتحدث عن الكنيسة جسد المسيح، في إصحاح ٤ إذ قال: «مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ». لكنها ”واحدة“ في تكوينها وبنائها لذا يقول عنها الكتاب «جَسَدٌ وَاحِدٌ» (رومية١٢: ٥؛ أفسس ٤:٤).

المؤمنين هم «جسد واحد» وهذا يأتي في الكتاب بمعنى شمولي ومعنى زماني ومعنى مكاني:

”المعنى الشمولي“ هو أن كل المؤمنين بالمسيح، من يوم الخمسين ليوم الاختطاف، يكوِّنون معًا جسد المسيح الواحد.

أما ”المعنى الزماني“ فيعني أن كل المؤمنين الموجودين في كل العالم في وقت ما من الزمان هم أيضًا جسد المسيح الواحد وهذا ما عبر عنه بولس في ١كورنثوس١: ٢، «إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَهُمْ وَلَنَا»

و”المعنى المكاني“ يُقصَد به أن جماعة المؤمنين في الكنيسة المحلية يعبِّرون عن جسد المسيح الواحد، هم ليسوا كل ”جسد المسيح“ لكنهم يمثلون صورة لهذا الجسد الواحد وتظهر هذه الصورة بشكل واضح عنما يكسرون الخبز، «فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ(الرغيف) الْوَاحِدِ» (١كورنثوس١٠: ١٧).

من المهم أيضًا أن نعرف أن الكنيسة كانت ”سر“؛ بمعنى أنها لم تكن مُعلَنه في العهد القديم كما يقول الكتاب في أفسس٣: ٩. «السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ»، وفي أفسس٥: ٣٢ «هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ». صحيح هناك رموز وصور وإشارات للكنيسة في العهد القديم مثل حواء التي جاءت من آدم ورفقة التي ارتبطت بالابن الوحيد المحبوب إسحق وأسنات التي لم تشارك يوسف في آلامه لكنها شاركته أمجاده، لكن ليس هناك ذِكر صريح لها ولم يكن مؤمنو العهد القديم في علاقتهم بالرب هم الكنيسة بمركزها وامتيازاتها العظيمة. كذلك أيضًا من الضروري أن نلاحظ أن الكنيسة ليست امتدادًا لشعب إسرائيل بمعنى أن الله لم يستبدل إسرائيل بالكنيسة. صحيح لقد فشل إسرائيل كشعب في علاقته بالله لكن الله لم يرفضهم نهائيًا، بل رفضهم فتح الباب لكل من يؤمن بالمسيح من اليهود والأمم ليكونوا شعب الله السماوي، الكنيسة، ثم سيعود الرب في المستقبل للتعامل مع شعبه الأرضي وتتميم مواعيده لهم.

إذا عرفنا يا صديقي ما هي الكنيسة وما هي امتيازاتها؛ حتمًا سنشكر الرب جدًا – إذا كنا مؤمنين حقيقيين- أننا جزء منها. وإن لم تكن كذلك يا عزيزي فالرب على استعداد أن يضمك لشعبه السماوي، ثق في فاعلية موته لأجلك وتمتع ببركة الاقتراب منه ومن شعب الله «وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ» (أفسس ٢: ١٣).