كيف نجتاز ليل النفس المظلم؟

معظمنا يجتاز في أوقات مُظلمة وثقيلة جدًا على النفس، أطلق عليها البعض ”ليل النفس المظلم“. في تلك الأوقات التي فيها تجتاز أنفسنا الضيق، نفكِّر بأن الله نسينا. قد نكون وقتها نعاني من مرض، أو فقدان شخص قريب، أو ننتظر الله ليسمع لنا في ما نطرحه أمامه من طلبات مُلِحة مثل: فرصة عمل، أو سداد احتياجات، أو لأجل الارتباط، أو مشكلة في العمل، أو أمور أخرى. ورغم إننا نصلي ونطلب ونتضرع إلى الله، ولكن نشعر أن لا مُصغي ولا مُجيب. حقًا ما أصعب تلك الأوقات. وما ستدور حوله أفكارنا عزيزي القارئ هو كيف نتعامل مع تلك الأوقات المظلمة، عندما نظن أنه الله نسى أمرنا.

أولًا: اسكب نفسك أمامه

يريدنا العدو أن نبعد عن الله في تلك الأوقات ونهرب منه، ويصدِّر لنا العدو فكر أن الله لا يسمع للصلاة، ويجعلنا نعتمد على المشاعر لا على الحق المُعلن في كلمة الله. لكن، لا يا صديقي، لا على الأطلاق. اطرد تلك الفكرة من ذهنك؛ فالله الذي أعلن لنا الكتاب المقدس عنه، ليس كذلك على الإطلاق. فهو حقًا يسمع الصلاة «يَا سَامِعَ الصَّلاَةِ، إِلَيْكَ يَأْتِي كُلُّ بَشَرٍ» (مزمور٦٥: ٢). وإن كنت غير قادر على الكلام، فهو يسمع تأوهاتك «تَأَوُّهَ الْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ يَا رَبُّ» (مزمور١٠: ١٧). وإن كنا غير قادرين على الصلاة ولا نستطيع التأوه، لكننا نذرف ونسكب الدموع؛ فهو أيضًا يرى دموعنا «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَك» (إشعياء٣٨: ٥). فحتمًا، عندما تسكب نفسك أمام الله، مهما كانت حالتك، سينظر الرب إليك ويشجِّعك. هذا ما حدث مع حنة أم صموئيل (أشجعك على قراءة قصتها في صموئيل الأول ١). فاذهب لله واسكب كل ما بداخلك أمامه، ولا تصدِّق كذب الشيطان أن الله لا يسمعك.

ثانيًا: ثق في محبته ومقاصده لك

من ضمن الأمور التي يريد الشيطان أن يزعزعها بداخلنا هي أن الله يحبنا، فإن كان الله يحبنا فلماذا يحدث ذلك؟ لماذا يبدو بعيدًا؟ لماذا لا يستجيب لصلاتك؟ وفي الحقيقة إن استمعنا للشيطان وأكاذيبه عن محبة الله لنا، سنقع في الفخ التي وقعت فيه أمنا حواء.

الكتاب المقدس، عبر كل أسفاره، يعبِّر عن محبة الله تجاه الإنسان، ومحبته الخاصة تجاه المؤمنين «أَمَّا يَسُوعُ ... إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى» (يوحنا١٣: ١). وأعظم دليل يوضح محبة الله، ليس ظروفنا، وليس ما يعطينا إياه من عطايا، لكن أقوى وأوضح دليل على محبة الله لنا هو موت المسيح على الصليب لأجلنا «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية٥: ٨)؛ ليعلن بذاك الحب أنه الحب الأعظم في الوجود «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا١٥: ١٣).

وبالتالي هذا الإله الذي يحب لدرجة الموت لا يمكن أن يؤذي الذين يحبهم، لكن يريد كل الخير لهم. ولكن الخير من منظوره هو، وليس من منظورنا نحن. فما نظن نحن أنه شر، قد يكون الغلاف الذي يحوي بداخله الخير لنا. وهذا ما حدث مع يوسف تكوين٣٩-٥٠. فبالنظرة السطحية تراه عبد في الأغلال يُقاد للمجهول، لكن بحسابات الله كان في صميم مقاصد الله لحياته؛ فاطمئن لقلب الله المُحب. ولنا في كلمة الله تشجيع عن مقاصد الله تجاهنا: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ» (رومية٨: ٢٨)

ثالثًا: تأمل في كلمته

لا يوجد مصدر آمن للتعزية والتشجيع للمؤمنين فكل الظروف سوى كلمة الله، خاصة في الظروف الصعبة: «هذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي». ففي مذلتنا وضيقنا، نذهب للكلمة فنجد تعزية وتشجيع لنا. هذا ما أكده كاتب المزمور الشهير ١١٩، الذي يتكلم عن كلمة الله «لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي» (مزمور١١٩: ٥٠، ٩٢). فاجمع شتات نفسك وأفكارك، واذهب بأشلائك إلى كلمة الله، وثق أنك ستجد ما يشجِّعك ويرفعك، حتى لو لم تنتهِ مشكلتك.

رابعًا: انتظر توقيته

درس الانتظار في حياة أولاد الله من أصعب الدروس التي يجتازونها، إلا أنه الأداة التي يستخدمها الله لينجز أمورًا عظيمة في داخلنا حسب إرادة الله في حياة كل واحد من أولاده. ولأن الانتظار مرهق يريدنا الرب أن نتقوى ونتشجع «انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ» (مزمور٢٧: ١٤). وبينما ننتظره، لنثق أنه سيخلصنا ويخرجنا من الضيق باختبارات محفورة بداخلنا «اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مزمور٤٠: ١). ويشجِّع الله كل المؤمنين الذين ينتظرونه «فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ» (إشعياء٤٩: ٢٣).

فلنتشجع ونتشدد ونثق في الرب مهما كان الليل الذي نحن فيه، فمجيء الرب لنا يقين كالفجر ولن يدوم الليل طويًلا.