روى أحد خدام الرب هذه القصة:
كنت في زيارة لأحد أصدقائي في منزله، وبينما كنت أتحدث معه، دخلت ابنته الغرفة وهي تُمسك في يديها الحبل الذي كانت تستخدمه في القفز، وقد أصبح مُعقَّدًا عقدًا عقدًا. وأعطت الفتاة الحبل لأبيها، وقالت له بثقة وبهدوء: “بابا... فُك لي عقد هذا الحبل من فضلك!”. ثم خرجت بهدوء.
وبينما كان صديقي يُكمل حديثه معي، فكّ عِقَد الحبل بكل سهولة. وبعد دقائق قليلة، عادت الفتاة، وأخذت الحبل، وشكرت أبيها، وخرجت من جديد.
وأردت أن أعلّق على تلك الحادثة، فقلت: “لماذا لا نكون كذلك مع الآب السماوي. لماذا نعتبر أن علينا أن نُجاهد بقوتنا، في الوقت الذي فيه نستطيع أن نُسلِّمه جميع مشاكلنا، وجعله هو يهتم بها؟”
أيها الأحباء.. ما أكثر ما نُحاول حلّ مشاكلنا بأنفسنا، بدلاً من الاتكال على الرب في هذا الأمر.. وفي مُحاولاتنا تلك، نحن نُجاهد ونكد ونتعب، لنكتشف في النهاية أننا خلقنا المزيد من المشاكل، بينما كنا نستطيع أن نهدأ ونطمئن، بمجرد أن نُلقي كل همّ عليه!”
كل ما نحتاجه هو فقط الاتكال على الرب، مُتيقنين بأنه قادر أن يحل كل عقَد حياتنا.
والآن ما هي مواقفنا؟ هل نُجاهد نحن بقوتنا لحل مشاكلنا في بيوتنا، أو أعمالنا؟ هل نحن في حيرة من أمرنا بالنسبة لمشاكل في اجتماعاتنا؟
ربما ما يُعطل حل المشاكل هو أننا نُجاهد بقوتنا، ونتكّل على أفكارنا! فإن كان الأمر كذلك، فما علينا إلا أن نتذكّر بأن حبل إيماننا هو في يد الآب، خالق السماوات والأرض! والإيمان الصحيح هو ليس فقط تصديق الله، بل الإيقان بأنه قادر أن يعمل، بطريقته الصحيحة، وفي توقيته الصحيح. ويا لروعة الوعد الذي يلمع أكثر كلما اختبرنا أمانة هذا المُحبّ العظيم: «ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ، أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور٥٠: ١٥).
وهكذا فإن الحاجة الحقيقية لكل نفس هي في النظر إلى الرب بثقة وإيمان، وتثبيت النظر عليه على الدوام، فهذا علاج في لحظات الحيرة والمواقف الصعبة التي لا نعلم فيها ماذا نعمل، كما حدث مع يَهُوشَافَاط ورجاله (٢أخبار٢٠)؛ فقد أتى ثلاثة أعداء معًا لمحاربة يهوذا: بني عمون وموآب والذين من جبل ساعير (ع٢٢)، وإذ واجه التهديد بالغزو، اتجه يَهُوشَافَاطُ باجتهادٍ إلى الرب بالصلاة، ونادى بصومٍ في كل يهوذا، فاجتمعوا ليسألوا الرب، ووقف الملك في جماعة يهوذا وأورشليم، واستنادًا إلى صلاة سليمان (٢أخبار٦: ٣٤، ٣٥)، تضرع يَهُوشَافَاطُ إلى الله الذي وعد أن يسمع وأن يُخلِّص.
وبالرغم من أنه كان تحت إمرة يَهُوشَافَاط مليون ومائة وستين ألفًا من الجنود جبابرة البأس، فضلاً عن الذين جعلهم الملك في المدن الحصينة في كل يهوذا (٢أخبار١٧: ١٢-١٩)؛ لكنه لم يُشر إليهم، ولم يتكل على القوة المنظورة، ولا على الإمكانيات البشرية المتاحة بوفرة. لقد فهم معنى الكلمات «لَنْ يَخْلُصَ الْمَلِكُ بِكَثْرَةِ الْجَيْشِ. الْجَبَّارُ لاَ يُنْقَذُ بِعِظَمِ الْقُوَّةِ. بَاطِلٌ هُوَ الْفَرَسُ لأَجْلِ الْخَلاَصِ وَبِشِدَّةِ قُوَّتِهِ لاَ يُنَجِّي... أَنْفُسُنَا انْتَظَرَتِ الرَّبَّ. مَعُونَتُنَا وَتُرْسُنَا هُوَ» (مزمور٣٣: ١٦-٢٠). لقد اعترف يَهُوشَافَاطُ بضعفه وجهله «يَا إِلَهَنَا... لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هَذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ»، لكنه أضاف «وَلَكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا»، مُدركًا تمامًا أن «عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ نَحْوَهُ» (٢أخبار١٦: ٩).
وهكذا ذهب يَهُوشَافَاطُ ليسكب ضيق نفسه وانزعاجه في أذني مَنْ هو راغب أن يسمع، وقادر أن يُعين. وقاده لذلك شعوره العميق بضعفه وعجزه، وبأنه لا شيء، وبأن ذراع البشر لا تُجدي نفعًا، وكان في حسبانه: إما الله وإلا فلا. فبسط المسألة بأكملها أمام الرب، وسلَّم الأمر في يديه، وانسحب من المشهد. ويا له من إيمان ظافر! ويا لها من ثقة قوية! وأية صعوبة لا يُذللها إيمان كهذا؟!
وتلقت صلاة الإيمان التي وجهها يَهُوشَافَاط إجابة فورية وعلنية. فقد أوصل “يَحْزَئِيلَ بْنَ زَكَرِيَّا” كلمات مطمئنة من الله إلى الشعب: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ لَكُمْ: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا بِسَبَبِ هَذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ، لأَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ لَكُمْ، بَلْ لِلَّهِ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَارِبُوا فِي هَذِهِ. قِفُوا اثْبُتُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ مَعَكُمْ يَا يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمُ. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا» (٢أخبار٢٠: ١٥-١٧ قارن خروج١٤: ١٣، ١٤).
وبدون انتظار لما سيعمله الرب، خَرَّ يَهُوشَافَاطُ لِوَجْهِهِ عَلَى الأَرْضِ وسجد مع جميع الشعب للرب، وسبِّحُوه بِصَوْتٍ عَظِيمٍ جِدًّا (ع١٨، ١٩). ويا لروعة الإيمان الذي يطرح الخوف تمامًا، ويشكر الله مسبقًا لأجل الاستجابة المؤكدة التي سيتلقاها لمجد الرب. وكم هو جميل السجود الذي يُقدَّم لله في مواجهة الأعداء (مزمور٢٣: ٥). لقد خرج المُغَنّون أمام الجيش، وكانت تسبيحة الحمد التي غنوها للرب هي العلامة لنصر ربحوه دون قتال.
وفي أثناء تسبيح بني إسرائيل بترنيمة الخلاص، كان أعداؤهم يُهلكون بعضهم البعض (ع٢٢، ٢٣)، وكل ما كان عليهم أن يفعلوه حينئذٍ هو مشاهدة هلاك أعدائهم الكامل، «وَكَانُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْهَبُونَ الْغَنِيمَةَ لأَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةً. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ اجْتَمَعُوا فِي وَادِي بَرَكَةَ لأَنَّهُمْ هُنَاكَ بَارَكُوا الرَّبَّ لِذَلِكَ دَعَوُا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَادِي بَرَكَةَ إِلَى الْيَوْمِ» (ع٢٥، ٢٦). وهكذا تمَّم الرب وعده: «ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي».
أيها الأحباء: إن المقادس هي الملاذ الذي عيَّنه الله منذ القديم كملجأ لحالات الطوارئ والأزمات، وهي المكان الذي فيه تُحَلُّ كل ارتباكات الحياة وتتدحرج كل أثقال النفس، هناك نعرف الله ونُدرك عظمة مُخلِّصنا المعبود، ونعرف أنه أعظم من أية صعوبة تعترض حياتنا. وما أعظم القوة التي نخرج بها من مقادس الشركة السرية لنواجه صعوبات الحياة اليومية!
فاثبت راسخًا أيها الأخ الحبيب، وتمسَّك بالإقرار بأننا شركاء الدعوة السماوية (عبرانيين٤: ١٤)، وتأكد أن عنده كل عطف ورأفة ومحبة، وهكذا يُمكننا أن «نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانيين٤: ١٦).