ما أكثر المفشلات التي حولنا هذه الأيام والتي يستخدمها العدو لتثبيط عزيمتنا والتشكك في صلاح إلهنا، ولا سيما أمام مشاكل الحياة وتحدياتها الكثيرة. تعرَّض نحميا لمثل هذه الإحباطات، وهو يبني سور أورشليم، عندما قال له رجال يهوذا بإنه لن يستطيع بناء السور، لكثرة التراب، وأن رجاله قد ضعفت قوتهم!
في مرة سابقة تكلمنا كيف نواجه نقص الإمكانيات، وفي هذا المقال سنحاول أن نجيب على سؤال أخر وهو كيف نواجه الإحباطات؟ ولا سيما عندما تكون فعلًا مبنية على واقع يقول: إننا لن نستطيع أن نعبر تلك الجبال التي أمامنا.
أولًا: الواقع يقول: نعم، التراب كثيرٌ والطاقة قليلة جدًا!
لفظة «التراب» قد تُعبِّر أما عن شيء حرفي أو أمور معنوية. ففي وقت بناء السور كان الاثنان معًا، فلقد كان هناك فعلًا أكوام من الحطام والتراب والحجارة نتيجة السور المنهدم. وفي ذات الوقت كانت هناك ضغوط نفسية شديدة من الأعداء حولهم. فمنهم من قال: «هَلْ يُحْيُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ كُوَمِ التُّرَابِ وَهِيَ مُحْرَقَةٌ؟»، والبعض الأخر تهكم على نحميا ومن معه بالقول: «إِنَّ مَا يَبْنُونَهُ إِذَا صَعِدَ ثَعْلَبٌ فَإِنَّهُ يَهْدِمُ حِجَارَةَ حَائِطِهِمِ» (نحميا٣،٢:٤). وماذا يفعل أولئك البسطاء أمام أكوام التراب هذه وتلك؟
ولا شك أن كل منا يقابل في رحلته اليومية أكوامٌ من التراب! أمور مثل جبل كبير من التراب، فلا نحن قادرين على تحريكها ولا حتى احتمالها! فالبعض منا احتار ورفع عينيه لله قائلًا: «لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ» (٢أخبار١٢:٢٠). وفريق آخر منا ساد عليه الإحباط بسبب كثرة «التراب»، فمرة يكلِّم نفسه حائرًا «لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟» (مزمور٥:٤٢). وتارة أخرى، يزيد الانحناء عليه، فيزداد الفشل ويصرخ يائسًا «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ! خُذْ نَفْسِي» (١ملوك٤:١٩). فهل من بارقة أمل للنجاة والخروج من هذا النفق المظلم؟
ثانيًا: كيف نتغلب على الفشل والإحباط الداخلي؟
دعونا نرجع إلى هذا الرجل الشجاع نحميا، الذي استطاع أن يواجه هذا الكم من الإحباطات والمفشِّلات.
١. بالالتجاء إلى الرب: من بداية السفر نجد نحميا يتحول للرب مع كل خبر سيء يسمعه «فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلَهِ السَّمَاءِ» (نحميا٤:١). فما أروع أن نلجأ للرب ونسكب كل مخاوفنا وانزعاجنا في حضرته، فمكتوبٌ «هَذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَه» (مزمور ٦:٣٤). وطوال السفر نجد نحميا يجري على الرب مع كل صوت يزعجه من العدو.
٢. الثقة في إله السماء: جاء الأعداء إلى نحميا ساخرين منه، بل ومتهمين إياه بالتأمر على الملك، بل وحاولوا تفشيله حتى لا يبني السور هو ومن معه. لكن نحميا يتحول عن مشهد الإزعاج معلنًا ثقته في الرب «فَأَجَبْتُهُمْ: إِنَّ إِلَهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي» (نحميا٢٠:٢).
٣. لا بد وأن يعبُر الرب بنا: حتى وأن كانت إمكانياتنا صفرًا! والمفشلات جبال عالية، لكن نهتف مع القائل: «مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلًا!» (زكريا٧:٤). لقد عَبَرَ نحميا كل الصعوبات، بل والمفشلات أيضًا وأكمل بناء السور، رغم أن التراب كان كثيرًا وضعفت قوة الحمالون. شكرًا للرب الذي أظهر قدرته فيقول نحميا: «فَبَنَيْنَا السُّورَ وَاتَّصَلَ كُلُّ السُّورِ إِلَى نِصْفِهِ وَكَانَ لِلشَّعْبِ قَلْبٌ فِي الْعَمَلِ» (نحميا٦:٤).
ثالثًا: احذر من رجال يهوذا!
بالتأكيد أقصد تلك النوعية التي مثل رجال يهوذا! فهم قريبين جدًا لنا في عائلاتنا أو دائرة الأصدقاء، لكنهم يتلذذون بإزعاجنا والتقليل من شأننا. أنهم يستمتعون بنشر المفشلات والأخبار المزعجة! أرجوك تحذر منهم، وابتعد عن أفكارهم.
هذا ما فعله نحميا مع رجال يهوذا الذين جاءوا لإزعاج الشعب وتفشيله حتى لا يكتمل العمل وبناء السور. فلقد قال نحميا مُشجعًا لشعبه: «لاَ تَخَافُوهُمْ، بَلِ اذْكُرُوا السَّيِّدَ الْعَظِيمَ الْمَرْهُوبَ» (نحميا١٤:٤).
كم نحتاج ألا ننصت لصوت المفشلين! هكذا كان سلوك المتكلين على الرب، فقديمًا جاء ربشاقي، ليبث الرعب في قلوب شعب الله، حتى يستسلموا للأمر الواقع ويصيروا عبيدًا لسنحاريب، ونادي قائلًا لهم: «مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هَذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟» أي إن إلهكم لن ينجيكم مثلما لم تقدر آلهة المدن التي حولكم، لكن حزقيا الرجل التقي أوصى الشعب ألا يصغوا ولا حتى يردوا عليه «فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ». (إشعياء٢١،٢٠:٣٦).
لكن دعونا ننصت للرب الذي يريد تشجيعنا «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (٢تيموثاوس ٧:١)، كما أرجو ألا ننسى أن إلهنا العظيم لدية القدرة التي لا تقف أمامها أي عائق «اَللهُ لَنَا إِلَهُ خَلاَصٍ وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ» (مزمور٢٠:٦٨).
لقد وعد الرب كل أحبائه الراجين وجهه، المتمسكين باسمه، أن يسير بهم حتى في أصعب المواقف قائلًا: «إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ.» (إشعياء٢:٤٣).
إخوتي الأحباء قوموا ننطلق من ههنا، من كل فشل وأحباط متكلين على إله كل نعمة.