أتلهف لمعرفة الأمر الذي أبقيته من فوائد دراسة كلمة الله.
هكذا بادرني صديقي العزيز، فأجبته: إن ما أبقيته هو موضوع
التمييز في السلوك والتعليم
لقد أصبح عندي أدوات (tools) للحكم على الأمر؛ فكلمة الله تعلمنا أنه «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ...» (١يوحنا٢: ٢٠، ٢٧)
وضح لي.
دعنا نبدأ بتمييز الصواب من الخطأ بشأن
السلوكيات والمبادئ
نقرأ: «وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» (عبرانيين ٥: ١٤). فمن خلال مبادئ الكتاب وما يرويه من سير حياة كثيرين، أتعلم مع الوقت، والتقدم في فهم أمور الله، أن أميِّز ما هو صالح في عيني الرب من عكسه، ما يليق بالمؤمنين مما لا يليق، وأستطيع أن أتمم مبدأ أن امْتَحِنُ كُلَّ شَيْءٍ، وأتَمَسَّكُ بِالْحَسَنِ (١تسالونيكي٥: ٢١).
وماذا عن التعليم؟ المتكلمون كثيرون وكل واحد يقول ما يقوله، ويحتاج كل مؤمن أن يكون لديه معايير للحكم على التعليم.
حسنًا، ربما من أوضح الطرق لمعرفة ذلك تتبُع ما قيل عن الأنبياء الكذبة أو الرسل الكذبة أو المعلمين الكذبة في العهد الجديد:
التعليم الكاذب والأنبياء الكذبة
أول من حذر من المعلمين الكذبة كان الرب نفسه حين قال عنهم: «يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً...» (متى٧: ١٥-٢٠).
تحذير خطير لأنه يقول إنهم يأتون في صورة وديعة. فما هي المعايير التي يمكنني أن أحكم بها؟
سأذكرها باختصار شديد. أول معيار، وهو خطير للغاية، هو ما يسميه يوحنا في رسالته الثانية «تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ». ولنفهم ما هو تعليم المسيح دعنا نجول في بعض أعداد من العهد الجديد:
عندما سأل الرب يسوع تلاميذه: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» أجابه بطرس: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»، فمدحه الرب: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى ١٦: ١٥-١٧). فالاعتراف بأنه ابن الله، أو الله الظاهر في الجسد (١تيموثاوس٣: ١٦)، هو أول ركن من أركان تعليم المسيح: أنه الله المتجسد.
لكن يضيف يوحنا «وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ الله. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ...» (١يوحنا٤: ١-٦) «لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِيًا فِي الْجَسَدِ. هذَا هُوَ الْمُضِلُّ، وَالضِّدُّ لِلْمَسِيحِ... كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ. لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ.» (٢يوحنا٧-١١). فإن كان الأول أنكر لاهوت المسيح، فهذا ينكر ناسوته الكامل. وفي هذا المجال، البعض نادوا بأنه لم يتجسد، بل كان يظهر بشكل مرئي يعتبره الناس جسدًا. لكن يوحنا الذي عاصر المسيح قال عنه: «الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا» (١يوحنا ١:١)، وأيضًا «َالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا ١: ١٤؛ اقرأ أيضًا عبرانيين ٢: ٤-١٥).
كما أن هناك من ينادون باحتمالية الرب يسوع للخطأ، إلا أننا نقرأ عنه أنه «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً» (١بطرس٢: ٢٢)، و «لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً» (٢كورنثوس ٥: ٢١)؛ «وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (١يوحنا ٣: ٥). فتعليم المسيح يتضمن أنه إنسان كامل بلا خطية.
بالفعل هو معيار جوهري. وماذا أيضًا؟
يمكننا استنتاج معاير أخرى من رسائل الرسول بولس إلى كنيستي غلاطية وكورنثوس:
اسمعه لائمًا على الغلاطيين «إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْـجِيل آخَرَ! لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ “أَنَاثِيمَا (ملعونًا)”!» )غلاطية ١: ٦-٨).
كما يقول لمؤمني كورنثوس: «أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ (ولائكم وإخلاصكم للمسيح). فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الآتِي يَكْرِزُ بِيَسُوعَ آخَرَ لَمْ نَكْرِزْ بِهِ... أَوْ إِنْـجِيلاً آخَرَ لَمْ تَقْبَلُوهُ... لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ» (٢كورنثوس١١: ٢-٤، ١٣-١٥).
وهنا نجد معيارًا ثانٍ نقيس عليه صحة تعليم أحدهم، وهو موقفه من إنـجيل المسيح. فوإن بدا مظهره حسن فالأهم هم محتوى الإنجيل الذي يقدمه.
وماذا يقصد بالإنجيل بالضبط؟
أوضح تعريف للإنجيل هو قول بولس «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنـْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، «إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (١كورنثوس١٥: ١-٤). فأي بشارة بغير موت المسيح الكفاري كبديل عنا (من أجل خطايانا)، ودفنه (أي أن الموت كان حقيقيًا)، وقيامته؛ ليس هذا هو الإنجيل الحقيقي. ويمكننا أن نلتقط خيطًا آخر من قوله «كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا: لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ (دليلاً على كمال عمله)، خَلَصْتَ» (رومية ١٠: ٨-٩)؛ فالإنجيل يجعل الخلاص حصريًا بالإيمان بالمسيح وكمال عمله، لأن «لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال٤: ١٢).
هل لديك معايير أخرى؟
دعنا نضيف أيضًا أقوال بولس «أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا!... وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ...» )غلاطية ٣: ١؛ ٦: ١٤). «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (١كورنثوس٢: ١-٢). فموقف المعلم الصريح من صليب المسيح هو معيار هام لصحة تعليمه. وهنا دعني أذكِّرك أن مشكلة غلاطية كانت إضافتهم لأعمال الناموس كشرط للخلاص بجانب صليب المسيح، بينما مشكلة كورنثوس كانت إغفالهم لقيامة المسيح ومن ثم قيامة المؤمنين به. وفي الاثنين انتقاص من عمل المسيح. والتعليم الصحيح يعتبر عمل المسيح على الصليب: كافٍ، وكامل، ولا حاجة لشيء غيره أو بجانبه في شأن الخلاص.
إذًا نحكم على التعليم من خلال موقفه من: شخص المسيح، صليب المسيح، إنجيل المسيح.
وبلغة أخرى: يعلِّم أن المسيح هو الله الذي تجسد؛ إنسانًا كاملاً بلا خطية، دون أن يكف عن أن يكون الله ولا للحظة. وبأن صليبه هو الحل الوحيد والكافي والحصري لحل مشكلة خطايانا وعقوبتها، وبإنجيله الذي يتمركز حول موته وقيامته.
هل تريد لفت نظري لشيء آخر؟
لاحظ أن موقف هؤلاء المعلمين من الحق يتدرج بُعدًا عنه. فيحذِّر بولس الرسول تلميذه تيموثاوس من كل الدرجات؛ فيقول مثلاً:
«لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ». إنها أول خطوة في المنزلق الخطير. فالأمر يبدأ بمحاولة إبعاد المستمعين عما هو صواب بالنسبة لله أي الحق. بمبادئ مثل: “كله زي بعضه”، “ربنا مش هيدقق في كل حاجة”... أو بالكلام في موضوعات جانبية أو تافهة. فالناس “لا يحتملون التعليم الصحيح” لأنه يدفعهم للتطبيق العملي الذي يحتاج جهاد وتضحية؛ ولذلك الكلام “في أي كلام” أسهل. والنتيجة أنهم «يَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ». لذلك يناشد بولس تيموثاوس «وَأَمَّا أَنْتَ فَاصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (٢تيموثاوس ٤: ٣-٥).
ويقول عن آخرين: «وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ. الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُسُ، اللَّذَانِ زَاغَا عَنِ الْحَقِّ...». والكلمة اليونانية المترجمة هنا “زاغا” تُترجم أيضًا “حادا عن الهدف”، أي ابتعدا عن قصد الله. فبدلاً من أن نبحث عما يقول الله وما يقصده، لا مانع من الابتعاد، والذي يبدأ بسيطًا ثم يتفاقم فيصل إلى ضلالات مهلكة إذ «يَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ (يهزون كل الأساسات)» (٢تيموثاوس ٢: ١٧-١٨).
«وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا يُقَاوِمُونَ الْحَقّ. أُنَاسٌ فَاسِدَةٌ أَذْهَانُهُمْ، وَمِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ» (٢تيموثاوس٣: ٨). لقد تحول الأمر من صرف المسامع والزيغان إلى المقاومة الفعلية.
فلندقق إذًا؛ فأبسط حيدان عن كلمة الله لا ندري إلى أي مدى سيصل بنا.