تحرك الرسول بطرس مرة أخرى خارج أورشليم، كان لقد تحرك هو ويوحنا في المرة الأولى إلى السامرة، وبعد ذلك رجعا إلى أورشليم (أعمال٨: ٢٥)، ولكن بعد أن تأسست كنائس في كل من الْيَهُودِيَّةِ (في الجنوب) وَالْجَلِيلِ (في الشمال) وَالسَّامِرَةِ (في الوسط)، بدأ يتحرك خارج أورشليم بمفرده لزيارة هذه الكنائس، وكان بذلك ينفذ وصية الرب يسوع له، «ارْعَ خِرَافِي»، «ارْعَ غَنَمِي» (يوحنا٢١: ١٥، ١٦).
«وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِالْجَمِيعِ» أي يفتقد جميع الكنائس وكذلك المؤمنين في هذه الأماكن، يشجعهم ويعلمهم كلمة الله، ويشهد عن المسيح للخطاة في هذه الأماكن، وكان بذلك متمثلاً بالرب يسوع الذي كان يجول في المدن والقرى (أعمال١٠: ٣٨). في أعمال٩؛ ١٠ نرى زيارة بطرس في رحلته الرعوية والتبشيرية إلى لُدة ويافا وقيصرية، وهذا يرينا نشاطه واجتهاده في خدمته التجوالية.
«نَزَلَ أَيْضًا إِلَى الْقِدِّيسِينَ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ» ذهب ليفقتد المؤمنين بالمسيح في لُدَّةَ، وكان عمل الله قد سبقه في لُدَّةَ، والشيء الرائع أن الروح القدس يذكر عن المؤمنين في سفر الأعمال عدة ألقاب: «تَلاَمِيذِ الرَّبِّ» (أعمال٩: ١)، «تَلاَمِيذَ» (أعمال١٩: ١)، «مَسِيحِيِّينَ» (أعمال١١: ٢٦)، «الْقِدِّيسِينَ» (أعمال٩: ٣٢، ٤١؛ ٢٦: ١٠)، «الإِخْوَةُ» (أعمال٩: ٣٠؛ ١٠: ٢٣؛ ١١: ١).
«فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَانًا اسْمُهُ إِينِيَاسُ مُضْطَجِعًا عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَكَانَ مَفْلُوجًا» وجد بطرس إِنْسَانًا اسْمُهُ إِينِيَاسُ، كان متمثلًا بالرب يسوع الراعي الذي يبحث عن الخروف الذي ضل، حتى وجده، ولا نعلم أي شيء عن إينياس غير ما ذُكر في هذا الجزء.
ونرى في إِينِيَاسُ عدة أمور:
يسكن في لُدَّةَ: مدينة تقع في مقاطعة اليهودية، وكان سكانها من اليهود والأمم، وكانت المدينة مركزًا تجاريًا للأقمشة المصبوغة باللون الأحمر الملوكي (الإرجوان). لُدَّةَ معناها ألم أو عناء أو نزاع وهي رمز للعالم الذي نعيش فيه، حيث كثرة النزاعات والمخاصمات والحروب بين الأشرار «أَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ» (مزمور٩٠: ١٠).
إِنسَان: على الأرجح أنه لم يكن من المؤمنين، لأن الروح القدس يذكر عنه أنه إنسان، بينما ذكر عن طابيثا أنها تلميذه أي مؤمنة بالمسيح (أعمال٩: ٣٦).
اسْمُهُ إِينِيَاسُ: اسم يوناني معناه تسبيح، وعلى الأرجح أنه من يهود الشتات، ولكنه كيف يسبح وهو بعيد عن الرب يسوع المسيح، فالتسبيح الحقيقي والخارج من القلب، لشخص قد تغير نتيجة إيمانه بالرب، فيسبح له بفرح وغبطة (مزمور١٢٦: ٢، ٣).
كَانَ مَفْلُوجًا، ومُضْطَجِعًا عَلَى سَرِيرٍ: يذكر نوع مرضه وهو الشلل، وهذا يجعل الإنسان عاجزًا عن الحركة، وعن فعل أي شيء، صورة للخاطئ العاجز عن فعل أي شيء يرضي الله، «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ (قصروا وعجزوا) مَجْدُ اللهِ» (رومية٣: ٢٣)، وعاجز عن حياة القداسة وإرضاء الرب. لم يكن هناك أي أمل في شفائه، لأنه طبيًا بعض خلايا المخ قد أصابها التلف، وأيضًا كان متألمًا من عدم الحركة، ويشعر أنه ثقل على نفسه وعلى من حوله.
مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ: يذكر لنا الروح القدس مدة مرضه، وهذا جعله معروفًا عند جميع الساكنين في لُدة، وثماني سنين فترة طويلة، اختبر فيها ذل المرض، وعجزه الكامل، واشتياقه للشفاء.
«فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ! فَقَامَ لِلْوَقْتِ». على الأرجح رأى بطرس اشتياقه للشفاء، فقال له: «يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ»، وهنا بطرس يُعلن أمام الجميع أن قوة الشفاء من الرب يسوع المسيح وليس منه هو، فقد قال للأعرج الذي كان على باب الجميل في الهيكل: «بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» (أعمال٣: ٦).
ثم أمره قائلاً: قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ، أي هيء فراشك لنفسك، الأمر الذي لم يقدر أن يفعله لمدة ثماني سنين.
واستجاب إِينِيَاسُ مباشرة لقول بطرس، فَقَامَ لِلْوَقْتِ، وهذا يدل أنه وثق في اسم الرب يسوع المسيح وقوته الشافية، لقد قام بدون أي وساطة بشرية، أو معونة إنسانية، لقد شُفي في الحال، ودبت الحياة في الخلايا التي ماتت وعضلاته وأعصابه التي توقفت عن العمل، وتحول من الشلل إلى الحركة، ومن الضعف إلى القوة، ومن المرض إلى الصحة، لأن الرب هو إله المستحيلات.
ليس فقط شُفي إينياس، لكنه آمن بالرب يسوع وخلص، وأعظم معجزة تحدث الآن هي خلاص الخاطئ عندما يؤمن بالرب يسوع المسيح ويتغير.
«وَرَآهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ، الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ».
لقد حدثت معجزة في لُدة، وتمجَّد من خلالها الرب يسوع المسيح، وكانت النتائج عظيمة، فَرَآهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ، ورَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ، لقد كان شهادة حية عن قوة الرب يسوع الذي ليس فقط عمل آلاف معجزات الشفاء في حياته، لكنه ما زال يعمل وهو في السماء.
على الأرجح أن إينياس كان غنيًا وذو مكانة اجتماعية ومشهورًا، لذلك انتشر خبر شفائه في كل مكان.
لم يكن غرض المعجزات هو المؤمنين، بل الخطاة ليأتوا إلى الرب يسوع ويؤمنوا به. كان الهدف في أيام الرسل والكنيسة الأولى هو تثبيت الكلمة لأنها كانت شفاهية، «وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ» (مرقس١٦: ٢٠).
أما الشفاء الآن فيتم عن طريق الصلاة وأيضًا طبقًا لمشيئة الرب وسلطانة، «وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ» (يعقوب٥: ١٥)، وبالطبع لا مانع من استخدام الطب والعلاج (إشعياء٣٨: ٢١؛ ١تيموثاوس٥: ٢٣).
استخدم الله معجزة شفاء إينياس ليوجه اهتمام النفوس وحاجتهم للمسيح نفسه، وأتوا إلى الرب ليس فقط للشفاء الجسدي، بل للبركات الروحية، وأيضًا لتقوية إيمان القديسين وثباتهم في الرب.
رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ، تشير إلى توبتهم عن الخطية، وتركِهم لكل الأفكار المظلمة والممارسات السابقة التي كانوا يعيشون فيها، وإيمانهم بالرب يسوع، الإله القادر على كل شيء، لذلك انتقلوا من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة.
كان بطرس نشيطًا في خدمة الرب، فكان يجول في أماكن كثيرة ليفتقد المؤمنين، ويُعلِّم بكلمة الرب، ويبشِّر الخطاة، واستخدمه الرب في هذه المعجزة والتي كانت سببًا لرجوع الكثيرين له.
وقد بارك الرب خدمته جدًا في ذلك الوقت، ونراه في ملء سلطانه الرسولي، واستخدام الروح القدس له.