إن الصلاة الاضطرارية هي عادة كالصلاة التي يتلوها الجنود الذين لا يكترثون بوجود الله إلا حينما يواجهون خطر هجوم عنيف من قِبَل العدو، أو ما شابه ذلك، فنراهم مختبئين في خنادقهم، يرفعون الصلاة بإلحاح ولجاجة، من أجل سلامتهم وحفظهم من الموت. ولكن ليسوا هم الوحيدين الذين يرفعون صلاة اضطرارية، بل هناك الكثير من الناس الذين لا يُصلون لله إلا ساعة الضيق والخوف فقط!
كان هناك ولدان يتحدثان عن الصلاة، فسأل الواحد الآخر: “هل تجتمع عائلتك للصلاة في الصباح؟” أجاب الفتى: “كلا”. ثم أردف قائلاً: “ إن والدتي علَّمتني أن أُصلي مساءً قبل النوم، حينما تكون الظلمة حالكة، وأظن بما أنه ليس هناك ما يُخيف في الصباح، فلا حاجة للصلاة وقتئذٍ”!
أيها الأحباء: إنه ليس مُخجلاً أبدًا أن نلجأ إلى الله في لحظات الخوف والضيق والخطر، ولكن صلاتنا يجب أن تكون باستمرار وبلا انقطاع (١تسالونيكي٥: ١٧)، في الظلمة كما في النور، في الضيق كما في الفرج. وكانت حَنَّة أم صموئيل نِعْمَ المثال لذلك؛ نراها حزينة ومُرَّة النفس لأنها كانت عاقرًا، فصلّت إلى الله، وبكت بكاءً عظيمًا (١صموئيل١: ١٠)، وفعلت ذلك بحق. ولكننا نراها أيضًا تُصلي إلى الله بعد أن تبدّدت الظلمة. فمع إتمام رغبتها، أخذت تلهج بنشيد الحمد، وتسكب شكر قلبها إلى الله لأجل صلاحه. لقد باركت حَنَّة الرب وشكرته بعدما أشرقت أشعة نعمته عليها، وشملها ببركات استجابته لطلبتها. وهكذا بدأت قصتها بالدموع، وانتهت بالترنم. بدأتها بالرأس الخفيض، وانتهت بالرأس المرتفع. بدأتها بالمذلة والحرمان، وانتهت بالرفعة والشبع. بدأتها مع الإنسان، وانتهت مع الله.
لا شك أنه يجب أن نُصلي وقت الحاجة، ولكن علينا أن نُصلي ونرفع الشكر للرب حينما تكون أمورنا على أحسن وجه، وبالحري يجب أن نُصلي بلا انقطاع!
وقد كان لدانيآل عادة الصلاة ثلاث مرات يوميًا، بجوار الكوّة، ووجهه نحو أورشليم والهيكل المقدس. وعندما جاء عليه الضيق، استمر يُصلي ويحمد إلهه «كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذلِكَ» (دانيآل٦: ١٠). وإننا نُصبح مستعدين لمواجهة الظلمة، عندما نتعلَّم أن نُصلي في النور.
وعندما أرسل مَلِكُ أشور رسائل التهديد إلى الملك حَزَقِيَّا «أَخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنْ أَيْدِي الرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَنَشَرَهَا حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ» (٢ملوك١٩: ١٤). وكان هذا عمل رجل يعلم بمَن آمن، ولم يكن طريق الأقداس غريبًا عليه، بل كانت الشركة مع الرب لديه كالتنفس لحياته الطبيعية، وكانت عادته المألوفة أن يلتمس وجه الرب على الدوام. فلما أتته تلك الرسائل التهديدية، لم يتردد في اختيار السبيل الذي يسلكه، بل كان أمرًا طبيعيًا عنده أن ينشرها أمام الرب الذي اعتاد أن يلجأ إليه في كل ما يخصه. لم يرتعب أو يضطرب لأنه كان عالمًا من أين يأتي إليه الإرشاد والحماية. لم تكن له مصالح متعلّقة بشخصه أو بشعبه بعيدًا عن الله، ولذلك استطاع أن يأتي برسائله المُزعجة بكل ثقة إلى محضر الله، عالمًا أنها تهم الله، أكثر مما تهمه هو.
لا يستطيع أحد أن يرتجل الإيمان عند الملمات ارتجالاُ. وإن لم تكن الحياة كلها حياة الإيمان بالله، لا يُمكن للإنسان أن ينشر أمام الله – بثقة واطمئنان – رسائل التهديد، وظروف المصائب والمخاوف. لأن الثقة بتداخل الله في أزمات حياتنا لا يُمكن أن تأتي مفاجأة، بل لا بد أن تكون وليدة التدرب على أن نٌخبر الله يومًا فيومًا بكل ما يخصنا، ومن ثم نكون مستعدين للامتحانات الكبرى التي تأتي إلينا عاجلاً أو آجلاً. ويا ليتنا نتمثل بحَزَقِيَّا في صلة نفسه بالله الذي كان يعبده دائمًا!