لا نقدر أن نصعد

قد يقول الواقع الذي نعيش فيه إنه من المحال أن نواصل المشوار!! وغالبًا ما يبُنى هذا التقرير على حجج وأسباب تبدو منطقية، قد يقتنع بها العقل، فيجُرّ كل الحياة إلى حالة من الإحباط واليأس، بل وإلى قرارات مدمِّرة!

هذا ما حدث في أيام موسى، عندما أرسل أثني عشر جاسوسًا ليتجسسوا أرض كنعان. رجع عشرة منهم بعد أن تجسسوا الأرض يقولون: من رابع المستحيلات أن نمتلك تلك الأرض!! وأخذوا قرارًا حازمًا قائلين: «لا نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ» (عدد٣١:١٣).

لكن المدهش أن اثنان منهم، لم يسيرا في الرَكْبِ وقالا شيئًا مغايرًا تمامًا: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا» (عدد٣٠:١٣).

أولًا: لماذا أصاب اليأس كل الأغلبية؟

١. إن فكرة تجسس الأرض لم تكن من الرب، بل هي طلب الشعب غير المؤمن. لقد طلبوا من الرب قائلين: «دَعْنَا نُرْسِل رِجَالًا قُدَّامَنَا لِيَتَجَسَّسُوا لنَا الأَرْضَ» (تثنية٢٢:١). وفي كل مرة يغيب التصديق في الرب وكلامه، فحالًا يتسرب اليأس.

٢. لقد رأوا صدق الرب وكلامه في كل ما قاله عن كنعان ولذا قالوا: «قَدْ ذَهَبْنَا إِلى الأَرْضِ التِي أَرْسَلتَنَا إِليْهَا وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لبَنًا وَعَسَلًا وَهَذَا ثَمَرُهَا» (عدد٢٧:١٣). لكن يا للأسف لم يؤمنوا بأن الرب قادر أن يحقق كلامه. لذلك يقول الكتاب عنهم: «فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَانِ» (عبرانيين ١٩:٣).

٣. بنوا قراراتهم على نظرة أعينهم، فقالوا: «قَدْ رَأَيْنَا»، «وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الجَبَابِرَةَ»، «فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالجَرَادِ». وما أخطر أن تُبنى حياتنا على ما تراه أعيننا! فهناك واقع أعظم لا تراه عيوننا، أقوى وأعظم مما نراه بأعيننا، وهذا هو الإيمان: «فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عبرانيين١:١١).

٤. لقد أشاعوا أخبارًا سيئة عن أرض كنعان، وشككوا الشعب في مواعيد الله، بل بثوا الرعب في قلوب الجميع «وَبَكَى الشَّعْبُ تِلكَ الليْلةَ «، بل والجميع تحت تأثير عدوى الإحباط قالوا: «نُقِيمُ رَئِيسًا وَنَرْجِعُ إِلى مِصْرَ» (عدد٤،١:١٤).

لنحذر إخوتي الأحباء؛ نعم قد يكون الواقع حولنا صعبًا، لكن يجب ألا نبني حياتنا على الواقع العياني الملموس، حتى لا يتسرب اليأس والقنوط إلى حياتنا.

لكن على أي شيء نبني حياتنا؟ هذا ما نراه جليًا في يشوع وكالب اللذان كانا فيهما «رُوحٌ أُخْرَى ».

ثانيًا: سر التشجيع وعدم اليأس

١. يشوع وكالب، رغم قلة عددهما أمام الأغلبية، لكنهما لم يسيرا مع التيار. يعتقد الناس أن الأغلبية هي الصواب، ويشعرون بالراحة في السير مع الرَكْبِ وهذا ما يسمى بروح القطيع. لكن كلمة الله أثبتت أن الأغلبية، غالبًا ما تكون خطأ! قال الرب يسوع: «لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ» (متى١٣:٧).

٢. أعلنا ثقتهما في الرب: لم يكونا يشوع وكالب في ذواتهما أفضل، بل إنهما وضعا ثقتهما في الله إذ قالا لإخوتهم الخائفين «وَالرَّبُّ مَعَنَا. لا تَخَافُوهُمْ «(عدد٩:١٤). إن الإيمان هو وضع الثقة تمامًا في الرب ومواعيده، واليقين بأنه فيه كل الكفاية لكل مفاجأت الطريق واحتياجات الزمان. وهذا هو سر طمأنينة الأتقياء في أحلك المواقف: «لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ» (٢تيموثاوس١٢:١).

٣. رؤيتهما للظروف كانت مختلفة: لقد عظُمَ الرب في أعين إيمانهم، فصغُر الأعداء جدًا ،حتى إنهم قالوا: «وَلا تَخَافُوا مِنْ شَعْبِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ خُبْزُنَا. قَدْ زَال عَنْهُمْ ظِلُّهُمْ وَالرَّبُّ مَعَنَا» (عدد٩:١٤).

٤. ما أروع لغتهما الإيجابية المشجعة، بعيدًا عن كل ما هو سلبي ومحبط. فلم ينشروا مذمة الأرض كالباقين، بل كل ما هو منعش فقالوا: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا»، وقالوا أيضًا: «أَرْضًا تَفِيضُ لبَنًا وَعَسَلًا» (عدد٣٠:١٣؛ ٩:١٤). ليتنا نتعلم أن نفكر ونردد على مسامعنا ومسامع إخوتنا ما يبني ويشجعهم «كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ... كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ... فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا.» (فيلبي٨:٤).

٥. لم تهزمهما الظروف، بل انتصرا عليها! رغم وجودهما في ذات الأحوال، لكن نتيجة تعلقهما بالرب، أكرمهما السيد بأنهما الوحيدين، من كل الجيل، اللذان دخلا أرض كنعان. «فَمَاتَ الرِّجَالُ الذِينَ أَشَاعُوا المَذَمَّةَ الرَّدِيئَةَ عَلى الأَرْضِ بِالوَبَإِ أَمَامَ الرَّبِّ. وَأَمَّا يَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ مِنْ أُولئِكَ الرِّجَالِ الذِينَ ذَهَبُوا لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ فَعَاشَا» (عدد٣٨،٣٧:١٤).

أحبائي الغاليين أننا في وقت عصيب، وفي تحدي مع الإحباط واليأس والواقع المؤلم. شكرًا للرب أننا لسنا بمفردنا نواجه الزمان وأهواله، بل يسير معنا وفينا ربنا يسوع المسيح الذي قال: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى٢٠:٢٨). هذا ما يجعل كل منا يرفع رأسه متهللًا: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟» (عبرانيين٦:١٣).