سمع المؤمنون الذين في يافا أن بطرس في لُدَّة، وكانت المسافة قريبة، وعندما ماتت طابيثا أرسلوا إليه رجلين، يطلبان ألا يتوانى عن أن يجتاز إليهم، فقام بطرس وجاء معهما، وأقام طابيثا، فآمن كثيرون بالرب.
«وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ». ونجد في طابيثا عدة أمور مباركة:
من مدينة يافا، وهي مدينة ساحلية تطل على البحر المتوسط، وبها ميناء حيوي، ومعناها “جمال”، وجمال المرأة ليس فقط في شكلها، لكن في الجمال الداخلي (أمثال٣١: ٣٠). وليافا أهمية تاريخية فعندما طلب الملك سليمان من حورام ملك صور خشبًا لبناء الهيكل في أورشليم، أرسل له الخَشَبَ مِنْ لُبْنَانَ، عَلَى الْبَحْرِ إِلَى يَافَا، ثم أصْعِدُهُ سليمان إِلَى أُورُشَلِيمَ (٢أخبار٢: ١٦)، ونفس الأمر تكرَّر أيام عزرا الكاتب (عزرا٣: ٧)، ويونان النبي ذهب إلى يافا وأخذ سفينة متجة إلى ترشيش (يونان١: ٣)، وفي يافا تلقى بطرس الرسول الدعوة لكي يذهب إلى الأمم (أعمال١٠).
تلميذة: أي مؤمنة بالرب يسوع المسيح. وهي الأخت الوحيدة في كل الكتاب التي ذُكر عنها أنها تلميذة. ويجب على التلميذ أن يُحب الرب من كل قلبه (لوقا١٤: ٢٦)، وينكر نفسه ويحمل الصليب ويتبع الرب (متى١٦: ٢٤)، ويترك جميع أمواله (لوقا١٤: ٣٣)، ويثبت في الكلمة (يوحنا٨: ٣١)، ويحب بقية المؤمنين (يوحنا١٣: ٣٥)، ويأتي بثمر كثير (يوحنا١٥: ٨).
اسْمُهَا طَابِيثَا ومعناها “غزالة”. والغزال من الحيوانات الطاهرة لأنه يجتر ويشق الظلف (لاويين١١)، صورة للمؤمن الذي صار طاهرًا بدم المسيح (١يوحنا١: ٧)؛ وأيضًا جميل الشكل (نشيد٢: ٩، ١٧)، والمؤمن صار جميلاً في المسيح (نشيد٤: ٧؛ أفسس١: ٤). وكانت طابيثا جميلة القلب والروح، جمالاً داخليًا (١بطرس٣: ٤).
كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً: وهذا دليل الإيمان الحقيقي بالمسيح، لأن: «الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ» (يعقوب٢: ٢٠). صحيح أن الخلاص بالإيمان فقط بدون أعمال، لكن الأعمال الصالحة هي ثمر الإيمان (أفسس٢: ٨-١٠).
مُمْتَلِئَةً إِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا: كانت ممتلئة بعواطف المسيح، لذلك اتصفت بحب العطاء للمحتاجين، فكانت تَعْمَلُ أَقْمِصَةً (الملابس الداخلية) وَثِيَابًا (الملابس الخارجية والمزركشة)، وهذا يتطلب جهدًا ووقتا طويلاً، وصبرًا. كانت متأثرة بكلمة الله والتي تُعلن اهتمامه بالفقراء: «افْتَحْ يَدَكَ لأَخِيكَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ فِي أَرْضِكَ» (تثنية١٥: ١١).
وَهِيَ مَعَهُنَّ: هذه العبارة تُرينا أنها كانت في شركة وعلاقة محبة مع جميع الأرامل في يافا، وهذا يُعلن عن اتضاعها. أتوقع أنها وهي تخيط الأقمصة والثياب، كانت تتكلم معهن عن الرب يسوع ومحبته، وأيضًا عن رعايته واهتمامه.
مَرِضَتْ وَمَاتَتْ: ثم بعد ذلك غَسَّلُوهَا، كان من عادة اليهود والشعوب الشرقية عادة تغسيل الميت، وذلك لنظافته من الأتربة والعرق، ثم يُدهن بالطيب.
كان المعتاد بعد موت الشخص أن يذهبوا به مباشرة إلى المقابر ليدفنوه، ولكن التلاميذ وضعوها في العلّية، انتظارًا لمجيء الرسول بطرس. «كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ». بالتأكيد سمِعَت الكنيسة في يافا عن الآيات التي صنعها الرب بواسطة بطرس في أورشليم، وكذلك شفاء إينياس في لُدة، الذي كان مفلوجًا لمدة ثماني سنين (أعمال٩: ٣٣-٣٥).
كان للمؤمنين في يافا إيمان بأن الله سوف يستخدم بطرس في إقامة طابيثا، ليس أن يحضر إليهم ليقدِّم كلمة الله في الجنازة ويشجعهم فقط، بل يستخدمه الرب في عمل عظيم لمجد اسمه المبارك. «فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا». هنا نجد أمانة بطرس في الخدمة، فلم يتكاسل، بل تحرك مباشرة مع الرجلين متوجهًا من لُدة إلى يافا، وبالتأكيد كان يصلي طول الطريق ليرشده الرب ماذا يفعل في هذا الموقف الصعب والحرج. وفي هذا رسالة لكل من يخدم الرب ألا يتوانى عن مساعدة القديسين، ولا سيما في الظروف الصعبة والمؤلمة.
«فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ». يَبْكِينَ حزنًا على رحيلها، وَيُرِينَ لبطرس أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ. تأثر بطرس مما شاهد من التأثير الذي تركته امرأة مكرسة للرب. «فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ خَارِجًا» لأنه كان يريد هدوءًا وانفرادًا ليستطيع أن يصلي إلى الرب بتركيز، ودون إزعاج أو تشويش. بعد أن جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى بلجاجة للرب، الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!» وهنا نجد إيمان بطرس وثقته في الرب الذي سمع صلاته.
«فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا» لقد فتحت يديها، قبل ذلك، بالعطاء للأرامل والفقراء، والآن فتحت عينيها بعد أن أُغلقت بالموت، ولكنها قامت بقوة الرب ورجعت روحها إلى جسدها، وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَت.
«فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا» كما لو كان يرحب بعودتها إلى الحياة ثانية، وأيضًا ليساعدها في النهوض.
قيامتها كانت سببًا لتعزية القديسين: «ثُمَّ نَادَى الْقِدِّيسِينَ وَالأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً» ليعلن لهم عن قوة الرب الذي أقامها، وكانت قيامتها سببًا لتعظيم الرب، ومكافأة لإيمانهم، وتحوُّل حزنهم إلى فرح، ووجعهم إلى تعزية، وخسارتهم إلى مكسب، وبكائهم إلى ترنيم.
قيامتها كانت سبب لإيمان الكثيرين بالرب: «فَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا فِي يَافَا كُلِّهَا». انتشر خبر موت وقيامة طابيثا في يافا كلها، فآمن كثيرون بالرب، وقاموا من قبور خطاياهم، لأنهم رأوا في قيامتها سلطان المسيح المُقام من الأموات. طابيثا في حياتها أحبت الرب وشعبه، فخدمت الأرامل بكل طاقتها ومالها، وعندما ماتت بكت عليها كل الأرامل في يافا، وشهدوا عما عملته لأجلهم، وعند قيامتها آمن الكثيرون بالرب.
شكرًا للرب كثيرًا لأننا نجد في كل عصر وجيل أن طابيثا متكررة، فيضع الرب على قلب بعض الأخوات المكرسات الاهتمام بالأرامل (يعقوب١: ٢٧)، وتعتبر خدمة طابيثا واحدة من طرق نشر الإنجيل في كل مكان، وذلك عن طريق مساعدة المحتاجين.
نرى في معجزة إقامة طابيثا، أن الرسول بطرس كان نشيطًا في خدمة الرب، ويتعب من أجله، متاحًا للتحرك لأي مكان، متضعًا، ومستمعًا جيدًا للأرامل، ومشاهدًا لما عملته طابيثا، ورجل صلاة وإيمان، وهو أول رسول يُقيم ميت بعد تأسيس الكنيسة، ولم يكن يبحث عن مجد نفسه، بل مجد المسيح، فيا ليتنا نتعلم من هذا الخادم الأمين.