الأطفال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مما أسفر عن إصابة العديد من الأطفال في بقاع مختلفة من العالم.
في عام ١٩٥٢، اجتاحت العدوى ولاية تكساس الأمريكية، وبسببها أصيب الكثير من الأطفال وتوفى عدد كبير منهم، بينما تغيرت طبيعة حياة الكثيرين منهم إذ اصيبوا بشلل تام في كل عضلات جسمهم.
كان أحد المُصابين، هو الطفل ”پول الكساندر“، وقد كان في السادسة من عمره حين أُصيب، وتم إيداعه في إحدى المُستشفيات للعلاج، ولكن بسبب الضعف العام في كل عضلاته بما فيها عضلة الحجاب الحاجز، والتي تُساعد على التنفس الطبيعي، تم وضع جسده كله ماعدا رأسه، داخل أنبوبة حديدة، تزن أكثر من ٦٠٠ رطل، كانت بمثابة الرئة الخاصة به. وهي تعتمد نظام الضغط السلبي لمساعدة المريض على التنفس؛ إذ يعمل منفاخها بمحرك كهربائي، يمتص الهواء من الأسطوانة، ما يخلق فراغًا حول جسم المريض ويجبر الرئتين على التمدد واستنشاق الهواء. وعندما يتم السماح للهواء بالدخول مرة أخرى، فإن نفس العملية العكسية تجعل الرئتين تنكمشان.
دخل ”پول“ الأنبوبة الحديدة وهو في سن السادسة واستمر داخلها أكثر من ٧٠ عامًا! حتى توفى في ١٢ مارس ٢٠٢٤، عن عمر يُناهز ال ٧٨ عامًا. لكن، على مدار ال٧٠ سنة، لم يستسلم ”پول“ لظروفه، عجزه أو مرضه، بل حقَّق الكثير من الإنجازات؛ إذا أنهى دراسته الأساسية، والتحق بكلية الحقوق، ومَارس المحاماة لأكثر من ٣٠ عامًا، وتعلَّم كيفية الرسم والكتابة بفمه، وتفوق فيهما، حتى إنه قام بتأليف كتاب عن قصة حياته ”٣ دقائق من أجل الكلب!“ ليكون مصدر إلهام وتشجيع للكثيرين.
أحبائي، اسمحوا لي بمشاركة بعض الأفكار من تلك القصة المعاصرة:
انتشار الداء
انتشر فيروس ”شلل الأطفال “POLIO VIRUS وكان سبب ذعر ودمار لحياة أطفال كثيرين حول العالم. وحتى يومنا هذا، تحرص كثير من الحكومات على تطعيم الأطفال ضد ذلك الفيروس الخطير. وأنا أقرأ عن قصة ”پول إسكندر“ وانتشار هذا الوباء وحجم النتائج والخسائر التي ترتبت عليه. تذكرت كيف انتشرت الخطية بين كل البشر، والنتائج الكارثية لهذا الداء الخطير؛ والذي يمتد مفعوله منذ سقوط أبوينا آدم وحواء وحتى يومنا هذا.
«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية ٥: ١٢). وبسبب انتشار داء الخطية ما بين الجنس البشري، جاء التقرير الالهي كالتالي: «الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.» (رومية ٣: ١٢)، «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ (إشعياء ٥٣: ٦)، فداء الخطية لم يَسلم منه أحد!
الحاجة إلى الهواء
الهواء عنصر أساسي وفَعال في حياة أي كائن حي، فبدونه تتوقف الحياة. هذا ما حدث مع كثير من الأطفال المُصابين بشلل الأطفال، إذ تَضعُف عضلة الحجاب الحاجز لديهم مما يؤثر على عملية تنفس الهواء لديهم وبالتالي الموت. أحبائي، قد لا نلاحظ أهمية الهواء في حياتنا اليومية، لكننا مع ذلك لا نستطيع الحياة بدونه! فبالرغم من كونه مُتاح لنا باستمرار، لكن بمجرد غيابه هناك موت.
هذا هو حال الإنسان تمامًا في علاقته مع الله، لن تستقيم أو تستمر الحياة بدونه، فهو الذي أتي إلينا بالحب والرحمة والغفران، فإذا تحولت القلوب والعيون عنه، ضَعُفت عضلات الحياة الروحية وبالتالي الموت ”الروحي“. «وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ.» (أعمال ١٧: ٢٦-٢٨). لذا، أشجعك يا عزيزي، ألا تتساهل في طبيعة علاقتك مع الله وكونه مُتاح لك باستمرار، فهو الآن متاح إليك بالرغم من ماضيك، سقطاتك وخطاياك، فهل إليه تسرع فعنده تلقى نجاة؟ أم تتباعد عنه وبالتالي الموت الروحي والأبدي؟
طبيب الأطباء
كان محكوم علي حياة الطفل پول بالموت وهو في سن السادسة بسبب تمكن مرض ”شلل الأطفال“ منه، إلا أن الطبيب الذي تمكن من وضعه داخل ”الأنبوبة الحديدة“ استطاع أن ينقذه ويطيل في عمره أكثر من ٧٠ عام كاملة، وخلالها حقق كثير من الإنجازات بالرغم من صعوبة طبيعة حياته.
وأنا أُفكر في مهارة ذلك الطبيب الذي تمكن من إنقاذ حياة پول وأطفال آخرين معه، تأملت في مهارة، روعة وكفاية طبيب الأطباء ”الرب يسوع المسيح“ الذي كان يجول يصنع خيرًا ويشفي المرضي ويداوي منكسري القلوب. فهو الذي: قَالَ: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا، بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (مرقس ٢: ١٧). فهو لا يعسر عليه أمر، هو قادر على الشفاء الجسدي والروحي معًا، شفاء لا يمتد إلى سنوات معدودة، بل شفاء أبدي يدوم أثره، هو قادر أن يعطي حياة من نوع مُختلف لإنه هو ”رئيس الحياة“، لذا طمئن قلوبنا قائلًا: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا ١٠: ١٠)، فهل تمتعت يا صديقي بتفاصيل تلك الحياة المُختلفة من طبيب الأطباء؟