من فضلك راعِ المسافات

تنبهت لمثل ياباني يقول: ”ابتعد عن المعلم سبعة أقدام حتى لا تدوس على ظله بالخطأ“، ومن هذا المنطلق تفوقت دولة اليابان وصارت أمة عظيمة، لأنه لا مستقبل لوطن يُهان فيه المربي، ولا يُقدَّر فيه المُعلِّم. لكن ما تنبهت إليه هنا أكثر ليس هو احترام المعلم والمرشد فقط، مع أن كتابنا العظيم يحرض كثيرَا على ذلك مثلًا: «اذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِم» (عبرانيين ٧:١٣). أيضًا «ِمنْ أَمَامِ الأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ الشَّيْخِ، وَتَخْشَى إِلهَكَ. أَنَا الرب» (لاويين٣٢:١٩). ما انتبهت إليه بالأكثر هو احترام الرب وخوفه ومهابته؛ وهذا عين ما قاله العرفاء للشعب وهم على مشارف أرض كنعان: «عِنْدَمَا تَرَوْنَ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ وَالْكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ حَامِلِينَ إِيَّاهُ، فَارْتَحِلُوا مِنْ أَمَاكِنِكُمْ وَسِيرُوا وَرَاءَهُ لكِنْ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ نَحْوُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ بِالْقِيَاسِ. لاَ تَقْرُبُوا مِنْهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا الطَّرِيقَ الَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ. لأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُرُوا هذَا الطَّرِيقَ مِنْ قَبْل» (يشوع٣:٣-٤).

والسؤال الهام لماذا حدد مسافة ٢٠٠٠ ذراع بالقياس بين الشعب وبين التابوت؟

نحن نعلم أن التابوت يرمز لحضور الرب وسط شعبه لذلك يجب علينا كبشر أن نحرص وندقق ونحن نقترب من حضرة الله لـ ٧ أسباب على الأقل:

(١) لأننا نحن خطاة والله قدوس

يقول صوفر النعماتي: «هوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟» (أيوب ٨:١١). لذلك يجب علينا أن نحترص ونقف بخشوع بجوار العشار الخاطي الذي: «وقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لوقا ١٣:١٨).

أو نظير سِمْعَانُ بُطْرُسُ الذي خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ» (لوقا٨:٥)، حتى الملائكة لا تستطيع أن تقترب من الله أو تكشف وجهها في حضرته، بل كل ساروف (ملاك) بجناحين يغطي وجهه.

(٢) توقير واحترام

قال يوحنا المعمدان وهو أعظم المولودين من النساء عن الرب يسوع: «لسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ» (أعمال الرسل ٢٥:١٣). كما قال قائد المئة: «فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي» (متى ٨:٨).

(٣) وعورة ومشقة الطريق

«َسبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِق وَلَمْ تَدُسْهُ أَجْرَاءُ السَّبْعِ، وَلَمْ يَعْدُهُ الزائر» (أيوب٢٨: ٧- ٨). فالطريق الذي عبره المسيح في سبيل خلاصنا لا يستطيع أحد أن يعبره، لقد واجه المسيح وهو حامل خطايانا الله كالديان العادل. «َمنْ يَقِفُ أَمَامَ سَخَطِهِ؟ وَمَنْ يَقُومُ فِي حُمُوِّ غَضَبِهِ؟» (ناحوم ٦:١). لقد حمل المسيح خطيتي وواجه دينونتي وسدد كل ديوني، ومن سواه يقدر أن يفعل؟! «َوكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَع ابْنُ الإِنْسَانِ،َ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ». «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة» (يوحنا ١٤:٣-١٦).

(٤) لكي ننظر ونتطلع إليه

«َناظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ» (عبرانيين ٢:١٢).

(٥) تفوُّق المسيح الفريد

ومن مثل المسيح من البشر أو من الملائكة فالمسيح: «... هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلّ» (كولوسي ١٧:١). «الذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي» (عبرانيين٣:١). بل و«كلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا٣:١).

(٦) المسيح دخل كسابق لنا

هناك مسافة كبيرة جدًا بيننا وبين المسيح فهو الذي ذهب كالمخلِّص ليُعد لنا المكان. «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا» (يوحنا ٢:١٤) وأيضًا كالكاهن العظيم ليرثي لنا «َحيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ٢٠:٦).

(٧) المسيح ترك لنا مثالًا

«خرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي» (يوحنا ٢٧:١٠)، «لاَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (١بطرس٢١:٢)

صديقي وصديقتي

لقد ذهب المسيح معلمي وسيدي في طريق الآلام وحده ولم يشاركه أحد في هذا الدرب الطويل المرير. فليتنا نكرمه ونقدره وحدد ولا سواه.

قد احْتَمَلْتَ وَحْدَكَ الآلاَمَ وَالصَّلِيبْ
وَالآنَ لَكَ وَحْدَكَ الإِكْرَامُ يَا حَبِيبْ