حيرة وتحدي قاتل داخل كثيرين منا بسبب أمور مريرة حدثت معنا. ودائمًا ما يأتينا هذا الخاطر ”مش كان ربنا يقدر يغير مجرى الأمور وبكلمة منه؟!“
وهذا ما تسائل به الجموع عند قبر لعازر بعد أن مات قائلين: «أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟» (يوحنا٣٧:١١). أي أن المسيح القدير كان يمكنه أن يمنع موت لعازر، وما أسهل ذلك عليه، فلماذا لم يفعل كذلك؟!
هل الله يَقدِر فعلًا أن يمنع الأذى؟ ولماذا لم يمنع؟ وأسئلة كثيرة تدور في داخل كل ذهن متألم ومُجرَّبٌ، سنحاول معًا أن نتلمس فكر الرب حول هذه التساؤلات.
أولًا: الرب يُقدِّر جدًا ما نَمُرُّ فيه
عزيزي، ربما أن ما تجتاز فيه ليس سهلًا وقد يكون فوق الطاقة، لكن أرجو أن تعرف أن الرب يُقدِّر ما تمر فيه، بل ويتألم لألمك. فالكتاب يقول عن الرب إنه: «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ» (إشعياء٩:٦٣). كثيرًا ما يحاول العدو أن يشككنا في صلاح قلب إلهنا وأن يشتكي على شخصه في أفكارنا متهمًا إياه بالقساوة. حاشا للرب أن يكون كذلك، إنه الحنَّان الرحيم، المملوء شفقة على البشر، بل ورحيم حتى على الحيوانات. قال الرب مرة ليونان: «أفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ!» (يونان١١:٤).
عندما جاء المسيح في الجسد قال عنه كاتب العبرانيين إنه شابهنا في كل الظروف التي نمر بها: «منْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا»، ليس فقط هو رحيم، بل اختبر وجرَّب كل ما نمر فيه ويسرع لمعونتنا «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين١٧:٢-١٨).
ألم يبكِ على أورشليم، وبكى أيضًا مع مرثا ومريم؟ ألم يئن عندما رأي الولد الأصم؟ ألم تتحرك أحشائه إذ رأى الجموع الكثيرة: «وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (متى٣٦:٩)؟
أرجوك صديقي، لا تصدق شكوى العدو على الله، حتى وأنت في أقسى ظروفك. إنه يحبك. لا تَقِس محبته لك على ظروفك وأحوالك، بل انظر للصليب لتعرف مقياس الحب الحقيقي لخاطئ مثلي ومثلك «بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (١يوحنا ٩:٤).
ثانيًا: نحن لا نفهم كل ما يدور حولنا أو معنا
١. أنا جزء من كون فسيح كله يتألم بصورة أو أخرى! هذا ما أوضحه الوحي قائلًا: «فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ» (رومية٢٢:٨). فنتيجة السقوط والخطية، دخل الألم والوجع والأنين إلى كل الخليقة، «إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ»، لكن قريبا جدًا بمجيء ربنا يسوع ومُلكه، سترتاح كل الخليقة ونحن قبلها «الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ» (رومية٢١:٨).
٢. نحتاج أن نتذكر معًا أننا لسنا الوحيدين المتألمين والمصابين. فكثيرًا ما ظننت أنني فقط المتألم، أو صاحب الظروف القاسية. فكل المؤمنين في كل مكان، متألمين بصورة أو أخرى، وهذا ما قاله الرسول بطرس وهو يشدد إخوته المتألمين والمتغربين قائلًا لهم: «عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ» (١بطرس ٩:٥).
٣. نحتاج أن نسلِّم فنهدأ وتستريح نفوسنا، لا للقدرية العمياء كما يظن الناس، بل بوعي وبفهم نسلم لإله وأب يحبنا، قدَّم أبنه لأجلنا. ففي حياتنا العملية نُسلم مضطرين لمن لا نعرفهم! فنسلم لقائد الطائرة ونحن لا نعرف من هو! ولقائد القطار أيضًا. بل ونستسلم للطبيب الجراح في غرفة العمليات ليفتح ويجرح ونحن لا نعرفه ولا نفهم ما يعمله! أفلا نُسلم لله أبونا، الذي يحبنا ويعمل لخيرنا: «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (متى١١:٧).
٤. الذين سلموا للرب خاضعين عاشوا فرحين هادئين رغم ما يمروا به. لقد ألقوا رجائهم وحملهم على إله كل نعمة «فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ» (١بطرس١٩:٤). لسان حالهم وأن كنا لا نفهم الأن لكننا سنفهم فيما بعد.
عزيزي القارئ المتحير، دعنا في حيرتنا نرتمي على الرب لا نهرب منه، حتى وأن بدت الأمور صعبة غير محتملة ولا نفهم لماذا سمح الرب بها ولم يمنع هذا الضيق عنا. وقلبنا يتغنى قائلًا: «وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلَكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا» (٢أخبار١٢:٢٠). وإلى أن يأتي الفرج لا تترك نفسك فريسة للمشتكي يلعب بالفكر المحتار، بل أختبر ”سندة“ ومعية الرب الذي قال: «إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» (إشعياء٢:٤٣).