بعد أن أقام الرسول بطرس طابيثا في يافا، آمن كثيرون بالرب يسوع، فمكث «أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُل دَبَّاغٍ»، وذلك لمتابعة المؤمنين الجدد، وتعليمهم.
وفي يوم من الأيام «صَعِدَ بُطْرُسُ عَلَى السَّطْحِ لِيُصَلِّيَ»، لقد أراد أن يكون في موضع خلاء ليصلي، ولقد تمثل بالرب يسوع الذي «كَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي» (لوقا٥: ١٦).
«صَعِدَ بُطْرُسُ»، فعندما نصعد إلى أعلى، ونترك مشغوليات الحياة، نستطيع أن ننفرد مع الرب، ونتمتع به، ونضع كل طلباتنا أمامه (متى١٧: ١).
«عَلَى السَّطْحِ» ما أبعد الفارق بين الرسول بطرس على السطح، والملك داود على السطح أيضًا، فلقد صعد بطرس على السطح ليصلي؛ لكن داود صعد على السطح بدون هدف، ثم ارتكب خطية الزنى مع بثشبع، ثم قتل رجلها أوريا الحثي (٢صموئيل١١)، ولكنه بعد ذلك حصد حصادًا مرًا.
«لِيُصَلِّيَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ» الساعة السادسة تقابل الساعة الثانية عشر ظهرًا، أي في منتصف النهار، وكان اليهود يصلون ثلاث مرات في اليوم مساء صباحًا وظهرًا (مزمور٥٥: ١٧)، والآن لا توجد مواعيد محددة للصلاة (لوقا١٨: ١).
«فَجَاعَ كَثِيرًا وَاشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يُهَيِّئُونَ لَهُ، وَقَعَتْ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ». استخدم الله هذا الجوع ليتحدث إليه، هل أنت جائع يا بطرس؟، فهذا هو طعامك من الحيوانات الطاهرة والنجسة، والتي ترمز لليهود والأمم، أي جائع لخلاص نفوسهم.
لذلك وَقَعَت عَلَيهِ غَيبَةٌ، أي غاب عن الوعي مع تيقظ العقل، أي منفصل تمامًا عن الوسط المحيط به، لكنه يرى الرؤيا، ويسمع، ويتكلم.
«فَرَأَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً. وَإِنَاءً نَازِلاً عَلَيْهِ مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَّلاَةٍ عَلَى الأَرْضِ». هذا الإناء كان نازلاً من السماء، ثم ارتفع إلى السماء، صورة للكنيسة التي هى سماوية، ومع أنها الآن على الأرض، شاهدة للرب، لكن قريبًا جدًا سيأتي الرب من السماء ويأخذها إلى بيت الآب (يوحنا١٤: ٢، ٣)، وهي الآن تضم اليهود والأمم. كان هذا الإناء مِثلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ به حيوانات طاهرة وأخرى نجسة، الحيوانات الطاهرة صورة لشعب الله الذي كان مفرزًا ومقدسًا للرب (تثنية٧: ٦)، والحيوانات النجسة صورة للأمم الَّذِينَ لاَ يَعرِفُونَ اللهَ.
نلاحظ أنه في الملأة كان يوجد الآتي:
كُلُّ دَوَابِّ الأَرْضِ: أي الحيوانات التي تدب على الأرض بما فيها من طاهر ونجس، وهي حيوانات مسالمة، صورة للذين يريدون أن يعيشوا في هدوء بعيدًا عن المشاكل، بالرغم أنهم خطاة.
وَالْوُحُوشِ: صورة للبشر الشرسين والفجار (رومية٣: ١٥)، فأول شخص وُلد على الأرض هو قايين، لكنه قام على أخيه هابيل وقتله (تكوين٤: ٨؛ ١كورنثوس١٥: ٣٢).
وَالزَّحَّافَاتِ: مثل الحيات التي تتصف بالحيلة والمكر، ومكتوب «بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا» (رومية٣: ١٣). والحية تهجم على الفريسة وتبتلعها، والأشرار يريدون أن يبتلعوا الصديق، لكن الرب يحفظه (مزمور١٢٤: ٢، ٣).
وَطُيُورِ السَّمَاءِ: التي تتصف بالخطف مثل الغربان (متى١٣: ١٩)، والشرير «يَكْمُنُ لِيَخطَفَ المِسكِينَ» (مزمور١٠: ٩)، وأيضًا تأكل جثث القتلى، صورة للنجاسة والشراسة.
ولكن كل عينات البشر هذه، عند إيمانهم بالرب يسوع المسيح، يخلصون ويتطهرون، ثم يذهبون إلى السماء.
«مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ» تشير إلى الأرض كلها، أي من الشمال والجنوب والشرق والغرب (لوقا١٣: ٢٩).
«وَصَارَ إِلَيْهِ صَوْتٌ: قُمْ يَا بُطْرُسُ، اذْبَحْ وَكُلْ. فَقَالَ بُطْرُسُ: كَلاَّ يَارَبُّ! لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئًا دَنِسًا أَوْ نَـجِسًا. فَصَارَ إِلَيْهِ أَيْضًا صَوْتٌ ثَانِيَةً: مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!»
سمع بطرس صوت من السماء المفتوحة، لكي يذبح ويأكل، لم يُميز بين الطاهر والنجس، أي يأكل من الكل، والمقصود هو الذهاب إلى اليهود والأمم وربحهم للرب. «وَكَانَ هذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ،» والتكرار علامة على تأكيد الأمر (تكوين٤١: ٣٢).
قال بطرس: «كَلاَّ يَارَبُّ!» وفي الحقيقة لا يمكن أن تستقيم هذه العبارة، لأنه كيف نقول للرب كلا، وهو السيد والرب الذي ينبغي أن يُطاع دائمًا.
«لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئًا دَنِسًا أَوْ نَـجِسًا» كان بطرس رجلًا يهوديًا، متمسكًا بالناموس، وبحسب لاويين١١، كان ممنوع أن يأكل من الحيوانات النجسة والطيور النجسة.
كان بطرس لا يختلط بالأمم (أعمال١٠: ٢٨)، لكن الرب في صلاحه أراد أن يصحح فكر بطرس، ويعلمه أن للأمم نصيب أيضًا في الإيمان والخلاص.
قبل صعود الرب يسوع إلى السماء قال لتلاميذه «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ» (متى٢٨: ١٩)، لكن كان الأمر مخفيًا عن أعين الرسل، حتى جاءت هذه الرؤيا لبطرس، وانفتح ذهنه وقلبه، وبعدها انتشرت رسالة الإنجيل إلى أقصى الأرض.
«مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!» لأن الأمم الذين في نظرك نجسين، يستطيع الرب أن يطهرهم.
«ثُمَّ ارْتَفَعَ الإِنَاءُ أَيْضًا إِلَى السَّمَاءِ» كل ما في هذا الإناء جاء من السماء ثم ارتفع إلى السماء، أي أن اليهود والأمم الذين آمنوا بالرب يسوع، صاروا سماويين، والسماء تقبل الأمم النجسين وتطهرهم كما قبلت قبل ذلك اليهود الخطاة.
ما أروع توقيتات الله، فهى دائمة مضبوطة بدقة عالية، تحرك الرجال الثلاثة المرسلين من قِبل كرنيليوس، من قيصرية فوصلوا إلى يافا الساعة ١٢ ظهرًا، وكان على التو بطرس قد انتهى من الصلاة والغيبة التي وقعت عليه، «وَإِذ كَانَ بُطرُسُ يَرْتَابُ فِي نَفسِهِ: مَاذَا عَسَى أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا؟، إِذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ أُرسِلُوا مِن قِبَلِ كَرْنِيلِيُوسَ، قَد وَقَفُوا عَلَى البَابِ» (أعمال١٠: ١٧-٢٣).
استمرت الكرازة في أورشليم حوالي ٤ سنوات، لليهود فقط، ثم تحركت إلى السامرة في أعمال٨، والآن تتحرك إلى الأمم في أعمال١٠.
كان المستمعون جاهزون، ولكن كان يجب إعداد الكارز لكي يذهب إليهم ويكلمهم فيخلصوا،
لذلك أعد الله بطرس بطريقة عجيبة لكي يتحرك إلى الأمم، وذلك بعدة وسائل:
- ١. سمح له وهو في يافا أن يُقيم في بيت رجل دباع.
- ٢. كان بيت الدباغ على البحر، والبحر يتكلم عن الأمم.
- ٣. وقعت عليه غيبة ورأى رؤيا، وتكلم الرب إليه ثلاث مرات.
- ٤. بعد الغيبة وجد ثلاثة رجال من قِبل كرنيليوس يطلبونه، لكي يذهب معهم.
- ٥. قَالَ لَهُ الرُّوحُ: قُم وَانزِل وَاذهَبْ مَعَهُم غَيرَ مُرْتَابٍ فِي شَيءٍ، لأَنِّي أَنَا قَد أَرسَلتُهُم.
وفي النهاية تحقق قصد الله، وذهب بطرس إلى قيصرية، وانفتح باب ملكوت السماوات لخلاص الأمم.