وليم تندل

إن إتباع المسيح لهو شرف عظيم لكل تابعيه، شرف يصغر أمامه كل شئ، وتتضاءل معه كل المطامع، ويُحسب معه كل ربح خسارة بل نفاية من أجل فضل معرفته (فيلبى3: 8) وتندال هو واحد من أولئك الأبطال الذين تعظّم المسيح أمام قلوبهم وتعظمت كلمته لديهم جداً، فعاش له، مُعلناً كلمته وسط ظلام العصور الوسطى، عاش مُنكراً لذاته، لايبغى مدحاً ولا شهرة منبوذاً ومُضطهداً بل ومضحياً بحياته أيضاً إكراماً لسيده.  

نشأته

ولد وليم تندال عام 1483 ونشأ شاباً مُفكراً ودارساً وحصل فى سن مبكرة على على منحة دراسية فى إكسفورد ثم انتقل إلى جامعة كامبردج حيث تعرف بأكبر عالم فى اللغة اليونانية وهو ارزمس الذى كان قد انتهى لتوه من إتمام جمع العهد الجديد باللغة اليونانية من أدق المخطوطات.  وقد قدَّر تندال هذا العمل فدرسه المرة بعد المرة ووجد فيه أعمق وأعجب إعلان ، إعلان محبة الله للإنسان.  وقد هز ذلك مشاعره فى الأعماق، فلم يستطع أن يحتفظ بهذا الكنز لنفسه وصار يحرِّض الكهنة على دراسته لأنفسهم وعلى تشجيع الشعب لدراسته، لكنهم قاوموه بعنف وخاصموه بقسوة.  

عزم   وتصميم

بعد تركه جامعة كامبردج حوالى عام 1521 أصبح تندال مقتنعاً بأنه إذا تُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة التى يتكلمها الناس سيكون ذلك أعظم وسيلة للنهضة الروحية، وأنه لايمكن تثبيت الناس فى الحق مالم يكن الكتاب بين أيديهم بلغتهم، فأصبح تنوير إنجلترا بنور كلمة الله هو شغله الشاغل حتى أنه أجاب مرة أحد أتباع البابا الذى قال »» خير لنا أن نكون بدون شريعة الله عن أن نكون بغير شريعة البابا «« أجابه تندال قائلاً : »» إن أبقانى الله فى الوجود فسأجعل الصبى الذى يمشى خلف المحراث فى إنجلترا يعرف فى الكتاب أكثر مما يعرف البابا ««. 

بدء  العمل   

لتحقيق ماقصده تندال، طلب من أسقف لندن غرفة ليترجم فيها الكتاب ولكنه رفض طلبه.  لكن تاجراً أعطاه غرفة هادئة فى بيته ظل فيها عاماً كاملاً، يواصل الترجمة بهمة لاتعرف الكلل.

لكن المعارضة إشتدت وتزايدت ضده من الأساقفة ورجال الدين فاضطر أن يغادر بريطانيا ويذهب إلى ألمانيا سنة 1524، وكان يقول »» إن أقصى أمانىّ هى أن أتمكن من إنجاز ترجمة الكتاب.  فإن لم أتمكن من ذلك فى وطنى، فإنى مستعد أن أحتمل النفى من وطنى مسروراً إن كان ذلك يحقق لى ترجمة الكتاب وطبعه ««.

واستقر به المطاف فى هامبورج بألمانيا.  فظل يعانى شدة الفقر والضيق والأخطار الكثيرة وهو يوالى الترجمة حتى تمكن بعد عام واحد من تقديم أول نسخة من العهد الجديد للمطبعة فى كولونيا ولم يكن قد مر وقت طويل على اختراع الطباعة. 

مقاومة العمل   

رغم كل احتياطات السرية التى أخذها تندال فإن أمره قد اكتُشف بواسطة أحد الرهبان الذى عرف الأمر من عمال الطباعة فأهاج الحكام والأساقفة ضده.  لكن تندال أسرع إلى المطبعة وهرب بأوراقه الثمينة إلى ورمز، وهناك تم له ماأراد فأخرج نسخة كاملة للعهد الجديد باللغة الإنجليزية وطبع منها كمية هربها إلى انجلترا فى حقائب البضاعة والبراميل، فى بالات القماش وأكياس الدقيق وبكل طريقة خفية.  وبالرغم من المراقبة الدقيقة لكل موانى انجلترا، تسرب الكتاب وانتشر بطريقة مُذهلة فى كل أنحاء البلاد.

أذهلت المفاجأة الأساقفة ورجال الدين المُعاندين وبرغم جهودهم لمنع الكتاب ومصادرته وشراء الكتب من كل مكان وحرقها إلا أنه إزداد انتشاراً لأن طبعات جديدة كانت تصدر.

* إستشهاد تندال لما لم يستطع أعداء الكتاب وقف انتشاره، أرادوا أن ينالوا من الرجل الذى قدم الكتاب للشعب فاحتالوا عليه ليُعيدوه إلى انجلترا وهناك سُجن فى ظروف قاسية جداً وهو شيخ متقدم فى السن وخرج منه ليموت حرقاً فى 6 اكتوبر عام 1536، حيث جروه إلى المشهد وأحرقوه حتى صار رماداً.  لكنه كان يصلى بينما تأكل النيران جسده، ويقول «يارب إفتح عينى ملك انجلترا» وقد استجاب الرب صلاة تندال بطريقة عجيبة.  فبعد ثلاث سنوات من استــشهاده صدرت طبعة رسمية للكتاب باسم الملك هنرى الثامن سُميّت الكتاب العظيم، أعقبتها بسنوات قليلة أشهر ترجمة فى كل العالم، أمر بها ملك انجلترا نفسه "ترجمة كينج جيمس" وصدرت الطبعة الأولى منها سنة 1611.