لما تأمل داود في خليقة الله العظيمة، في مزموره الرائع، مزمور 104، لم يسعه إلا أن يهتف ائلا «ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمة صنعت، ملآنة الأرض من غناك» (مزمور104: 24).
وعبارة «ما أعظم» لا تفيد فقط الكثرة العددية، بل أيضا التنوع. لقد تأمل داود في هذا المزمور في كل ما حوله وفوقه وتحته، في الجبال العإلىة والبحار الواسعة، في الشمس والأقمار، والنجوم التي بلا عدد، ثم تأمل في الأشجار العإلىة والزهور الجميلة والزنابق الصغيرة، ثم تأمل في الحيوانات البحرية والطيور ووحوش البر. وعندما تأمل هذه كلها؛ وهي ما نسميها إلىوم بالمملكة المعدنية والمملكة النباتية والمملكة الحيوانية قال «ما أعظم أعمالك يارب، كلها بحكمة صنعت»
لكننا نحن سنقصر تأملنا الآن على المملكة الحيوانية. ولكي نُعرِّف الحيوان نقول: هو كل كائن حي يتحرك ويأكل وينمو ويتكاثر ويحس.
وعندما نقول كائن حي يتحرك، فذلك لنميزه عن النبات الذي لا يقدر ان يتحرك من نفسه. والحيوانات تتحرك في الهواء أو الماء أو على الأرض.
وعندما نقول إنه كائن حي يأكل، فهذا معناه أن له فما بخلاف النباتات التي ليس لها فم. والنباتات بصفة عامة تصنع غذاءها من الشمس والماء والهواء... أما الحيوانات فإنه يلزمها أن تتغذي على الطعام لا أن تصنعه.
وعندما نقول إنه ينمو، فذلك لأن الحيوانات تبدأ صغيرة وتأخذ في النمو، ثم بعد فترة تموت. وعندما تكون صغيرة قد تشبه أو لا تشبه والديها. لكنها عندما تبلغ تصبح مثل والديها تماما. وعندما نقول إنها تتكاثر فذلك معناه أن الحيوان جاء من حيوان آخر بالغ من نفس نوعه، فالحيوانات تنجب ذرية كجنسها؛ أي من نفس النوع. هذا ما أكده الخالق مرارا وتكرارا في الأصحاح الأول من سفر التكوين عندما كرر عبارة «كجنسه» 10 مرات، وهذا ما أكده العلم الحديث، إذ لا يمكن لنوعين مختلفين من الحيوانات أن ينجبا نوعا متوسطا يجمع بين صفاتهما معا.
وأخيرا عندما نقول إنه يحس فذلك لأن الحيوانات لها نفس بها تحس وتشعر، تفرح وتحزن. وهي في هذا تشبه الإنسان، ولو أنها ايضا تختلف عنه فالإنسان بالإضافة إلى النفس التي عنده فهو عنده أيضا نسمة حياة من الخالق (تكوين2: 7، أي32: 8) هي الروح التي تجعل الإنسان في توافق مع الله؛ ليفكر وليعبد الله.
بعض هذه المخلوقات تبيض مثل البطريق، وسائر الطيور، والزواحف والضفادع ومعظم الأسماك، والبعض الآخر يلد.
أما أماكن وجودها، فإنك تجدها في كل مكان. إنها تقفز أوتزحف على الأرض، تجري أو تمشي، تجدها في الأدغال أو في الصحاري، في الرياض أو المناطق الجليدية. وهي تعوم وتتزحلق في البحار والمحيطات، في الأنهار أو في البرك. أو هي ترفرف وتطير أو تطن فوق الأرض. كما أنها قد تتلوي وتنزل تحت سطح الأرض. بالإجمال إنك تجدها في كل مكان؛ في أعإلى الجبال أو في داخل الشقوق الضيقة والكهوف المظلمة.
وأهم أجناس المملكة الحيوانية ما يلي:
1- الثدييات: وهي الحيوانات التي ترضع صغارها، ولها كساء من الشعر أو الفرو على جسمها.
2- الطيور: وهي ما تبيض ولها ريش على جسمها.
3- الأسماك: وهي ما تعيش في المياه ولها خياشيم تتنفس بها، وعلى جسمها حراشف وزعانف.
4- الزواحف: وهي الحيوانات التي تزحف على بطنها، ولها قشرة سميكة تحمي جسمها عند الزحف علىه. وهي من ذوات الدم البارد.
5- المفصليات: مثل الكثير من الحشرات
6- البرمائيات: وهي تلك التي تلد في الماء وتتنفس من خياشيم، لكنها تقدر أيضا ان تعيش على الأرض بعد أن تنمو. ومع أن هناك نحو 800ألف نوع من الحشرات، ونحو 21 ألف نوع من الأسماك، لكن هناك فقط نحو 4 آلاف نوع من الثدييات، ورغم هذا فإنها الحيوانات الأكثر شيوعا بين الناس، والأكثر انتشارا في الكتاب المقدس.
ولهذا سنبدأ موسوعتنا الكتابية بالحديث عن أهم أقسام المملكة الحيوانية وهي
الحيوانات الثديية: وهي حيوانات من ذات الدم الحار؛ بمعني أنها تحتفظ بحرارة جسمها عند درجة حرارة ثابتة سواء كان الجو المحيط بها باردا جدا، أو حارا جدا. وسميت ثديية لأنها ترضع صغارها، فالأنثي عادة تعتني بصغارها وترضعهم اللبن الذي تفرزه.
والكثير من الثدييات يأكل العشب، بعضها يأكل العشب القريب من سطح الأرض، والبعض يأكل الأوراق أوالأغصان الدنيا من الشجر، والبعض يتطاول إلى أوراق الشجر العلىا، وهكذا خلق الله أنواعا مختلفة ليتشارك الجميع في خليقة الله العظيمة ومائدته الغنية.
والعاشبات (آكلات الأعشاب) تشكل بدورها غذاء للَّوَاحِم (آكلات اللحم) وبعض اللواحم قناصة سريعة العدو، وبعضها الآخر يرمرم، فيأكل الجيف والجثث الميتة
في كل هذا تتجلي روعة حكمة الخالق. فماأروع الصورة التي نجدها في الخليقة. فالمطر الذي ينزل من السماء يجعل الأعشاب والأشجار تنمو، ثم تأتي العاشبات فتتغذي منها؛ البعض يتغذي من الأعشاب القريبة من سطح الأرض، والبعض من الأشجار العإلىة. الكل يشبع من خير الله الغني. بل حتى الزهرة الجميلة التي نمت فوق الجبال التي لا تراها عين إنسان لم تكن بلا فائدة، إلىها تصل النحلة وتمتص رحيقها اللذيذ! ثم تأتي اللواحم لتتغذي على هذه العاشبات!
وأما الحيوانات التي تموت فهناك حيوانات وطيور متخصصة لأكل الجيف. مما يحمي البيئة من الآثار الخطيرة لوبقيت الجيف على ما هي علىه. وهذا كله يتم بتوازن عجيب دقيق، لولاه لاستحال استمرارالحياة!
لك كل الحق يا داود أن تقول، ونقولها نحن أيضا معك
«ما أعظم أعمالك يارب، كلها بحكمة صنعت، ملآنة الأرض من غناك»